حاشية على اعتذار واجب
أما الاعتذار الواجب فهو من كاتب هذه السطور إلى قرّاء مقالته "بعد إغلاق مكتبة في دمشق"، وقد نشرت في 23 أغسطس/ آب الجاري، في "العربي الجديد"، لأنّها انبنت على خبرٍ تبيّن لاحقاً أنّه غير صحيح، إغلاق مكتبة النوري في دمشق أبوابها، فالمكتبة مفتوحةٌ وتبيع وتشتري، على ما أخبرني عارفون وأصدقاء، وبعضُهم من العاصمة السورية نفسها. وهذا خبر طيّب، والمتمنّى أن تستمرّ هذه المكتبة العتيدة (تأسّست في 1930)، وأن تتغلّب على ما يهدّدها بالإغلاق، والذي أبلغ عنه صاحبها، محمد سالم النوري، وكالة الأنباء الفرنسية، في تقريرٍ طيّرته في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. والمأمول أن يكون في وسع أهل المكتبة، وجمهورها أيضاً، حمايتَها من مصير مكتباتٍ أخرى هناك، صارت محلات عصير وشاورما وفلافل.
أما الحاشية على هذا الاعتذار الذي رآه صاحبُه واجباً عليه، وحقّاً لقرّاء "العربي الجديد"، فتتعلق بالدرس البديهي لنا، نحن المشتغلين في كتابة التعليقات ووجهات النظر في وسائط الإعلام، وهو وجوب الاحتراس الدائم بشأن مصادر الأخبار، أيّ أخبار، فالذي اتّضح أنّه ليس كافياً أن يُبلغ أحدُهم، من دمشق نفسها، الجمهور العام في "السوشيال ميديا"، أنّ "النوري" أغلقت أبوابها جرّاء الأوضاع البالغة السوء المعلومة، وإنْ بعد شهورٍ من حديث صاحب هذه المكتبة لوكالة أنباءٍ عالميةٍ أنّها "مهدّدة بالإغلاق". وإذا كان صاحب هذه الكلمات فعل شبيهاً باعتذاره هنا غير مرّة، فإنّه في مرّاتٍ تجاوز عن هذا، لمّا أخطأ في معلومةٍ أو في تقدير أمرٍ أو في نسبة قولٍ إلى غير مصدره، مثلما يحدُث أن تزلّ فيه مقالاتٌ وتعاليق وتقارير زملاء، لكنّهم نادراً ما يبادرون إلى إيضاحٍ أو استدراكٍ أو اعتذارٍ أو تصحيح، في رهانٍ (محقّ ربما؟) منهم على أنّ ذاكرات القرّاء محتشدة، فلن يستوقفَها، مثلا، أنّ استقلال السودان في العام 1956 وليس في 1955، لكنّ الأمر يحسُن ألّا يُؤخَذ على هذا النحو. وإذا كان في المقدور أن يُتَسامَح مع واقعةٍ أو أخرى، هيّنة الأثر، في هذا الشأن، يظلّ مبعث انتقادٍ أن ينظُر بعضُنا، في مهنة الإعلام، إلى أنّ اعتذاراً عن خطأ أو سهو، يُنقِص من سمعته أو مكانته، أو يثلم اسمَه.
لنقرّ بأن أهل الإعلام والصحافة قليلا ما يعتذرون عن أخطاء أو سهوٍ. وكثيراً ما يُصادِف واحدُنا تسرّع معلقين على أخبارٍ ومستجدّاتٍ في الذهاب إلى بناء سيناريوهاتٍ لتطوّرات أحداثٍ هنا وهناك أو خواتيمها، غير أنّ شيئاً منها، تالياً، لا يقع، فلا تُصادف من كثيرين من هؤلاء شيئاً من الاستدراك، أو التعقيب الذي يوضِح ما أوقعهم في الذي تصوّروه وكتبوه وأشاعوه. وفي أي حال، لا يجوز التعميم هنا، فزملاء غير قليلين لا يجدون ما يخدِش كفاءتهم في نشر تصحيحٍ وصل إليهم، أو تعقيبٍ يخطّئهم في هذه المسألة أو تلك، ولا يرى الواحد منهم في اعتذارٍ يُشهرُه لقرّائه (وقرّاء منبره) عن معلومةٍ ورد إليه ما يؤكّد عدم صحّتها.
ولا ينسى صاحب هذه الكلمات الاعتذار الذي أعلنه، في أكتوبر/ تشرين الأول 2009، المقرّر الخاص السابق للجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، ريتشارد فولك، للرئيس محمود عبّاس، عن تصريحاتٍ منه لقناة الجزيرة، اتهم فيها عبّاس ونجليه ياسر وطارق بملكية الشركة الوطنية (الفلسطينية) للاتصالات، واعتبر أنّ هذا ما يعود إليه تصويت السلطة الفلسطينية على تأجيل التصويت على تقرير غولدستون بشأن العدوان الإسرائيلي ذلك العام على غزّة. أرسل فولك رسالة اعتذارٍ إلى عبّاس، ضمّنها أنّه تحقق له، بعد مراجعته سجلات الشركة وتدقيقها، عدم وجود أي بيّنةٍ تثبت أي علاقةٍ لعائلة الرئيس عبّاس، وتحديداً ابنيه، بالشركة، وأضاف: "أعتذر عن أيّ أذىً غير مقصود أكون قد سبّبته لعائلة الرئيس محمود عبّاس، نتيجة تكراري المزاعم غير الصحيحة التي كنتُ قد صرّحت بها". ونشر الحقوقي الأممي رسالته في إعلاناتٍ مدفوعة الأجر في عدّة صحفِ عربية.
إذن، إذا كان مسؤولٌ أمميٌّ رفيعٌ يخطئ في معلومةٍ شديدة الحساسية، ثم يتبيّن له هذا، فيعتذر علناً، يصبح من عاديّ الأمور أن يُخطئ معلقٌ متعجّلٌ، كما صاحب السطور أعلاه، في أمر مكتبةٍ في دمشق، ثم يُبادر إلى إشهار اعتذارٍ عمّا فعل، يكون من سخاء القرّاء أن يقبلوه مشكورين.