25 اغسطس 2024
خدّام وعلي عقلة عرسان
الطرفة التي رواها الأديب تيسير خلف عن النائب السابق للأسدين، الأب والابن، عبد الحليم خدّام، إثر وفاته يوم 31 الشهر الماضي (مارس/ آذار) جد معبّرة، وبارعة: أن خدّام، الشهير بسلاطة لسانه، كان يحضر أحد مؤتمرات اتحاد الكتاب العرب، وخلال المؤتمر أطنب رئيس الاتحاد، علي عقلة عرسان، في امتداح الديمقراطية التي تعيشها سورية، فقال له عبد الحليم: بيكفي يا علي. لو كان عندنا ديمقراطية ما كنّا شفناك!
هناك طرفة أخرى لم يروها أحد، ولكن أحداثها جرت على أرض الواقع، ودخلت التاريخ، وهي أن صاحب الانقلاب العسكري، حافظ الأسد، المستبدّ الذي حكم سورية ثلاثين سنة فقط (1970 - 2000)، ومع أنه هو الذي أتى بهذين الشخصين ليمارسا السلطة الاستبدادية بقيادته، فقد بقي علي عقلة يحكم اتحاد الكتاب حتى أواسط سنة 2005، وبقي عبد الحليم يلعب دور الهدهد (على حد تعبير مظفر النواب) لغاية 31 ديسمبر/ كانون الأول 2005.. وإذا توخّينا الموضوعية تجاه عبد الحليم خدّام، نقول إنه لم ينشق عن نظام عائلة الأسد قط، ولكن الذي حصل أن بشار الأسد، بعدما هندس له "عمّو عبد الحليم" عملية التوريث، وأصدر من المراسيم ما يكفي لجعله رئيساً مع شيءٍ من الشرعية (حتى ولو كانت مزوّرة)، ثم ديكتاتوراً مطلقاً، وجد أن صلاحيته انتهت، فأعلمه، بلسان حاله أن: دورك انتهى، يا عمّو عبد الحليم، ويؤسفني إبلاغك أنك أصبحت جزءاً من الحرس القديم الذي يعيق مسيرة التطوير والتحديث العظيمة التي أقودها أنا، ويا حبذا لو تريني عرض كتفيك.
الصراحة التي واجه بها عبد الحليم خدّام رئيسَ الاتحاد الأزلي "عرسان" جميلة. ومن حيث المبدأ، تُحسب له لا عليه، ولكنها تنطوي، في الوقت نفسه، على تعالٍ و"فوقية"، والأهم أنها تضمّنت رسالةً سياسية واضحة، مفادها بأن النظام الذي صنعه حافظ بمشورته، أو هَدْهَدَتِهِ، أصبح يمتلك من الجبروت ما يكفي لأن يلعب بورقة الاستبداد الشمولي على المكشوف، ويصارح الناس بأننا هكذا، ديكتاتوريون، مستبدّون، طغاة، سمّونا ما شئتم، وسنظل نحكمكم، ونركبكم إلى الأبد، وطز بمن يرضى، وبمن يعترض، ولا يوجد ما يدعو لأن يختبئ بعض أركان النظام وراء أصابعهم، مثلما فعل عرسان، ويزعموا أن في سورية ديمقراطية.
في أواسط سنة 2001، بعد مرور سنة على هندسة التوريث، أراد عبد الحليم أن يثبت لقائده ومعلمه الجديد بشار الأسد أن "الاستبداد المكشوف" أفضل بكثير من الانفتاح الذي نصحه به هداهدُ آخرون، فأدّى إلى تعالي أصواتٍ وهمهماتٍ تطالب بالديمقراطية، وبالتالي لم يكن مستغرباً أن يتجرأ ألف مثقف سوري على إصدار "بيان إحياء المجتمع المدني"، لولا سكوتُ بشار الأسد وأجهزته الأمنية عن موقّعي بيان الـ99. يعني، بالعربي، إذا بقيت، يا ولدنا بشار، على هذا من التساهل مع الديمقراطيين، أعداء سلطتنا الحقيقيين، فمن يضمن لنا ألا يتسع الخرقُ على الراتق، ونكون في الطبّ، كما يقول المثل، لنجد أنفسنا في البيطرة وقلع الأضراس؟
انشقّ عبد الحليم خدّام عن نظام بشار الأسد، اضطراراً، مطلع سنة 2006، وشرع يتحدّث، بإشفاق، عن آلامنا، نحن السوريين الطيبين المكتوين بنار الديكتاتورية، ويبدي تعاطفه مع الفقراء الذين يبحثون عن الطعام في حاويات الزبالة، ويقول في هجاء بشار الأسد أكثر مما قاله مالك في الخمر، (هو بالمناسبة لم يذكر حافظاً بسوء). ويؤكّد، في حواره مع زينة يازجي، أن بشاراً لم يكن يدرس الطب في لندن، وإنما كان هناك للمعالجة من مرضٍ ما، عقلي أو عصبي.. وهو، بذلك، لا يسيء لبشار الأسد بقدر ما يسيء للشعب الذي ليس مغفلاً كما يظن، ومؤكّد أنه سيسأله: طالما أنك تعرف حقيقة بشار الأسد المخبول الذي عولج في لندن، لماذا جئتنا به، وسلطته على رقابنا؟
الصراحة التي واجه بها عبد الحليم خدّام رئيسَ الاتحاد الأزلي "عرسان" جميلة. ومن حيث المبدأ، تُحسب له لا عليه، ولكنها تنطوي، في الوقت نفسه، على تعالٍ و"فوقية"، والأهم أنها تضمّنت رسالةً سياسية واضحة، مفادها بأن النظام الذي صنعه حافظ بمشورته، أو هَدْهَدَتِهِ، أصبح يمتلك من الجبروت ما يكفي لأن يلعب بورقة الاستبداد الشمولي على المكشوف، ويصارح الناس بأننا هكذا، ديكتاتوريون، مستبدّون، طغاة، سمّونا ما شئتم، وسنظل نحكمكم، ونركبكم إلى الأبد، وطز بمن يرضى، وبمن يعترض، ولا يوجد ما يدعو لأن يختبئ بعض أركان النظام وراء أصابعهم، مثلما فعل عرسان، ويزعموا أن في سورية ديمقراطية.
في أواسط سنة 2001، بعد مرور سنة على هندسة التوريث، أراد عبد الحليم أن يثبت لقائده ومعلمه الجديد بشار الأسد أن "الاستبداد المكشوف" أفضل بكثير من الانفتاح الذي نصحه به هداهدُ آخرون، فأدّى إلى تعالي أصواتٍ وهمهماتٍ تطالب بالديمقراطية، وبالتالي لم يكن مستغرباً أن يتجرأ ألف مثقف سوري على إصدار "بيان إحياء المجتمع المدني"، لولا سكوتُ بشار الأسد وأجهزته الأمنية عن موقّعي بيان الـ99. يعني، بالعربي، إذا بقيت، يا ولدنا بشار، على هذا من التساهل مع الديمقراطيين، أعداء سلطتنا الحقيقيين، فمن يضمن لنا ألا يتسع الخرقُ على الراتق، ونكون في الطبّ، كما يقول المثل، لنجد أنفسنا في البيطرة وقلع الأضراس؟
انشقّ عبد الحليم خدّام عن نظام بشار الأسد، اضطراراً، مطلع سنة 2006، وشرع يتحدّث، بإشفاق، عن آلامنا، نحن السوريين الطيبين المكتوين بنار الديكتاتورية، ويبدي تعاطفه مع الفقراء الذين يبحثون عن الطعام في حاويات الزبالة، ويقول في هجاء بشار الأسد أكثر مما قاله مالك في الخمر، (هو بالمناسبة لم يذكر حافظاً بسوء). ويؤكّد، في حواره مع زينة يازجي، أن بشاراً لم يكن يدرس الطب في لندن، وإنما كان هناك للمعالجة من مرضٍ ما، عقلي أو عصبي.. وهو، بذلك، لا يسيء لبشار الأسد بقدر ما يسيء للشعب الذي ليس مغفلاً كما يظن، ومؤكّد أنه سيسأله: طالما أنك تعرف حقيقة بشار الأسد المخبول الذي عولج في لندن، لماذا جئتنا به، وسلطته على رقابنا؟