دولة عسكرية ذات مرجعية عكاشية
لم يسقط سهواً، أو عمداً، من تهنئتي منظومة الانقلاب، أمس، اسم وزير خارجية أول حكومة بعد الانقلاب، نبيل فهمي، ذلك أن الرجل يستحق تهنئة وحده، كونه كان الأكثر تطرفا في فاشيته ومكارثيته، من زملائه، إلى الحد الذي تفوق في خطابه الخشن على زميله، وزير الداخلية، أحيانا.
غير أني قبل تهنئة نبيل فهمي، مدين له باعتذار واجب على تأخري في تصحيح معلومة عنه وردت بمقال لي، حول تدخل والده وزير الخارجية الأسبق في زمن أنور السادات، إسماعيل فهمي، لدى القوات المسلحة، كي يهرب من الخدمة العسكرية، استناداً على ماورد في مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي.
والحقيقة أن واقعة ابن اسماعيل فهمي صحيحة، غير أنها لا تخص نبيل فهمي، بل تخص شقيقا له، وقد وردت على النحو التالي في مذكرات الشاذلي في الصفحة 233 "بعد فترة وجيزة من نقل ابن اسماعيل فهمى إلى المخابرات العامة، قامت المخابرات العامة بإنهاء خدمته وتمكن والده من أن يجد له وظيفة فى نيويورك أكثر راحة وأوفر مالا! وهكذا، بينما كان أبناء مصر يقتحمون قناة السويس فى أكتوبر 73 ويموتون وهم يهتفون (الله أكبر)، كان ابن إسماعيل فهمى وغيره من أبناء الطبقة المحظية في مصر يتسكعون في شوارع نيويورك، وغيرها من المدن الأميركية والأوروبية".
أعود إلى تهنئتي نبيل فهمي، بمناسبة الذكرى الثانية للمذبحة التي أخذ على عاتقه تسويقها للعالم على أنها عمل إبداعي رقيق، وناعم وشديد الرومانسية، وله ما يبرره، حيث تفوق الوزير على نفسه، وهو يحاول إقناع الرأي العام العالمي، كذبا وافتراء، بأن اعتصام رابعة العدوية كان مسلحا، بأسلوب بدا معه قريبا للغاية من المتحدث الحالي باسم الخارجية، وهو يرد على منظمة "هيومان رايتس ووتش"، على طريقة نجمة الإعلام الانقلابي الشعبوي، منى البحيري، صاحبة الصرخة الخالدة "سيسي ييس أوباما نوو.. شات أب يور ماوس أوباما".
نبيل فهمي كما وصفته حين كان على كرسي وزارة الخارجية المصرية كان التجسيد الأمثل لنظام انقلابى، "يشعر في أعماقه بأنه يفتقد الشرعية السياسية والأخلاقية. ومن هنا، يستخدم كل الوسائل غير المشروعة، لتثبيت انقلابه على الشرعية، بما في ذلك الكذب والتلفيق واستدعاء مجموعات مؤيدة له، بعيدا عن القانون، لكى تنفذ له أو تعاونه فى التخلص من معارضيه.. ولا أدري كيف يشعر وزير الخارجية، الآن، بعد أن فضحت منظمة العفو الدولية الأكذوبة التى رددها نقلا عن أجهزة الدولة الأمنية في حواراته مع الصحف العالمية بشأن وجود أسلحة ثقيلة داخل اعتصامات رافضي الانقلاب؟
لقد بنى نبيل فهمي أكذوبة الأسلحة الثقيلة على تقارير ادعى أنها صادرة عن منظمة العفو الدولية، الأمر الذي جعل المنظمة تسارع إلى نفض غبار هذا العار عنها، ببيان جازم، تنفى فيه هذه الخزعبلات الأمنية التي يرددها بلا تفكير الرجل الأول في الدبلوماسية.
إن أحدا لم يتفوق على نبيل فهمي في التألق على ملاعب الفاشية العسكرية، سوى حسام عيسى، الناصري العريق والصوت الهادر في حركة "حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات"، والذي صال وجال، مناضلا مع الطلاب والأساتذة، ضد سلطة حسني مبارك، وهيمنتها الأمنية على الجامعات، قبل ثورة يناير.. ثم مع انقلاب السيسي، قرر عيسى أن يتزلج على أمواج العسكر للوصول إلى كرسي وزارة التعليم، ليكشف عن وجه بوليسي مخيف، ويصل به الحال إلى أن يؤيد استخدام الشرطة الرصاص الحي ضد الطلاب المتظاهرين، في ساحات الحرم الجامعي.
لذا، يستحق هذا الثنائي تهنئة خاصة على أدائهما الرفيع في خدمة الفاشية، إذا تفوقا على كل من كانوا يتحدثون عن مخازن أسلحة ومقابر جماعية ومضاجع لنكاح الجهاد، ومزارع للبط، وميادين رماية للتدريب على العمليات في شقق سكنية مطلة على الاعتصام، ولا تزيد مساحتها عن مائة متر.
كانا، بحق، خير ممثلين للدولة العسكرية الفاشية، ذات المرجعية العكاشية. لذا، يبدو مثيرا للدهشة أنهما لم يظهرا حتى الآن في التظاهرات التي تستضيفها وزارة الداخلية في مبانيها، وترفع شعار "يا عكاشة يا بطل سجنك بيحرر وطن".