رئيس غير مطابق للمواصفات الأميركية
تمثل إطلالة رئيس حزب الوسط، أبو العلا ماضي، إضافةً حقيقيةً وجادةً للمشهد السياسي المصري، خصوصاً أن الرجل أحد قلائل لم يتركوا أنفسهم فريسةً سهلةً للنزق السياسي، أو يستسلموا لغرائز الادّعاء لصناعة حالةٍ من الأهمية، ليست لهم.
أبو العلا ماضي رقم مهم في معادلات السياسة المصرية، قبل ثورة يناير 2011 وبعدها. وبالتالي، حين يتحدّث، لا بد أن يكون لكلامه تلك الأهمية التي تنبع من إسهامه في المجال السياسي العام، منذ نضاله المبكّر، رفقة عصام سلطان لإشهار "حزب الوسط" بعد خروجهما من عباءة الإخوان المسلمين.
باختصار، أبو العلا ماضي ليس محدث سياسة، ولا يضع عينه على "التريند"، ولا ينفق نصف يومه لحصر أرقام المعجبين، وعدد مرّات إعادة التغريد على "السوشيال ميديا". ومن هنا، تأتي أهمية حواره الصحافي الأول، بعد خروجه من سجون الانقلاب، الذي نشره "العربي الجديد" أول من أمس، كون المتحدث يجسد ذلك النموذج الذي تحتاجه مصر، ويعبر عن جوهرها الحضاري والثقافي، بتنوعه الثري.
جمعتني والمهندس ماضي لقاءات ومواقف عديدة، في ذروة احتدام الصراع السياسي، في الشهور السابقة على الانقلاب، ولمست حرصه الشديد، ورأيت دأبه في العمل على منع اندلاع الحريق الذي التهم ثورة يناير فيما بعد، في اليوم الأخير من يونيو/ حزيران 2013، وهناك الكثير مما يُروى، غير أنه اعتباراً لأن الطرف الأساسي في القصة كلها، الرئيس محمد مرسي، يقبع في عتمة السجن، وحيداً، متفرداً بأنه المسجون الوحيد الذي تحرمه السلطات من زيارة الأهل، وظني الشخصي أنه ليس من المنطقي، بالنسبة لي، أن أسرد روايةً، تخص شخصاً لا يمتلك الحق، أو حتى الفرصة، للرد على فحواها، أو تقديم الرواية المقابلة لها.
غير أني، في الوقت نفسه، لا أستطيع أن أصادر حرية أحدٍ أن يروي ويحكي ما لديه من شهاداتٍ وأحداث، في الوقت الذي يريد، وبالأسلوب الذي يختار.. وبما أن المهندس ماضي قد قرّر الحكي، وإنْ مع بعض التحفظ، فمن الطبيعي أن نتوقف أمام ما يكشف عنه، بالنقاش، لا بالطعن أو التكذيب، أو محاولة الظهور في الأضواء، على أي نحوٍ من الأنحاء.
أبرز، بل أهم، ما ورد في الحوار تلك الفقرات الخاصة بترشيح واحد من: محمد البرادعي وعمرو موسى، بديلا لرئيس الحكومة الدكتور هشام قنديل، ورفض الرئيس مرسي هذه الفكرة.. وهنا عدة ملاحظات:
الأولى أن هذا الطرح كان في ذروة اشتعال الاسمين المذكوريْن بالهمة والنشاط، لدى الدوائر الغربية، نوفمبر/ تشرين ثاني 2012، لإحكام الحصار على الرئيس محمد مرسي، بالتزامن مع نشاطٍ لا يقل في الداخل، جهة استدعاء العسكر للتدخل، ويمكن العودة، هنا/ إلى حوار البرادعي مع "ديرشبيغل" الألمانية، والذي تضمن نداء كان نصه "الشباب في مصر يريدون رد فعل واضحاً من الغرب ضد قرارات مرسي".
والمعنى، هنا، أن المناخ العام كان يقول إن الاسمين المقترحين لرئاسة الحكومة حسما أمرهما، وقطعا الطريق على أي حوار. وعلى ذلك، لم يكن ممكناً تصور أنهما يوافقان على الطرح، اللهم إلا إذا كان المقصود من طرح اسميهما هو الرفض، والوصول إلى لحظةٍ درامية تجعل رئيس الدولة يقبل بديلاً ثالثاً، أو حلاً وسطاً بعينه وباسمه.
لكن الأخطر من ذلك، والذي يكشف عنه المهندس ماضي، أن محاولة فرض هذين الاسمين جاءت من واشنطن، وعضدتها برلين، إذ يحكي رئيس حزب الوسط قصة زيارته قصر الاتحادية، "صحبة محمد محسوب، وزير الشؤون القانونية في ذلك الوقت، واقترحنا عليه اسمين، وهما محمد البرادعي، وعمرو موسى، كي يختار من أحدهما رئيساً للوزراء، فرفض مرسي، بل وأخبرني قائلاً: "الرئيس الأميركي باراك أوباما اتصل بي، وقال لي استفِد بأحد هذين الشخصين معك، ومستعد أكلمهما لك. وبعدها اتصل بي أيضاً رئيس الخارجية الأميركي جون كيري، وقال لي استعِن بأحدهما رئيساً للوزراء. وأيضاً خلال زيارتي ألمانيا، قالت لي المستشارة أنغيلا ميركل عليك الاستعانة بأحد منهما، أي البرادعي وموسى، رئيساً للوزراء". هنا قلنا لمرسي "هذا يؤكد وجهة نظرنا، وسيريح أطرافاً دولية كثيرة، فردّ مرسي رافضاً "لا" وذكر عدداً من الأسباب التي أتحفظ على ذكرها الآن".
انتهى الاقتباس من أقوال أبو العلا ماضي، وبقيت الملاحظة الأهم، وهي أن رئيس الجمهورية رفض رغبة، أو نصيحة، أو بالأحرى إملاءً أميركياً ألمانياً، بتعيين البرادعي أو عمرو موسى في موقع رئيس الحكومة، وهذا الموقف بحد ذاته يكفي لاحترام هذا الرجل الذي رفض إهانة مقام منصب الرئيس في مصر، أولاً، ورفض إهانةً أشد للبديلين المطروحين، بأن يأتي تعيين أحدهما بإرادة أجنبية، حتى وإن اتخذت شكل النصيحة.
سلام على مرسي في محبسه.
وللحديث بقية..