راغب علامة والشعب السوري
أصارحُكم القول بأنني غيّرتُ رأيي بالمطرب اللبناني (الشقيق)، راغب علامة، ثلاث مرات متتالية. في السابق، كان لدي انطباع عام مفادُه أن راغب علامة مطرب شاب، موديرن، وسيم، ذو صوت جيد، كليبَّجي؛.. يعني إذا أنتَ سلمتَه لواحد من مخرجي الكليبَّات المَهَرَة، وزودته بمجموعة من الفتيات الجميلات الذائبات عشقاً، لخرجتَ بكليب يُكَسِّر الأراضي، والبنايات، والشوارع، والأرصفة!
وكنت أعتقد أن راغب ليس مُسَيَّسَاً، ومناضلاً، كمرسيل خليفة وأحمد قعبور والشيخ إمام، ولا هو انبطاحي يغني للديكتاتور، بشار الأسد، ويحاول تقبيل يد رامي مخلوف، مثلما فعل السيد جورج وسوف في حلب أوائلَ الثورة، وهو غير متحمس للاستبداد إلى حد مناشدة بشار الأسد بقتل المتمردين على حكمه بالكيماوي، مثلما فعلت رغدة.
إنه، باختصار، مطرب (ماشي حالُه)، فلا هو واحد من (القرامي) الكبيرة، مثل أم كلثوم وعبد المطلب وصباح فخري، ولا هو مبتكر ومجدد وعبقري مثل عمر الزعنّي وملحم بركات، وفي الوقت نفسه، لم ينحدر إلى مستوى الهِشّك بِشّك، كصاحب أغنية "لَرْكَبْ الحنطور وأتحنطر"..
كان الأستاذ راغب علامة غائباً عن ساحة تفكيري في السنوات الأربع الماضية، فخلال وجودي في سورية الحبيبة كنت، بمجرد ما أصعد إلى السيارة، أبدأ بتقليب إبرة المذياع على المحطات الإخبارية التي يمكن أن تُرْهص، أو تَتَنَبَّأ، أو تتفاءل بسقوط نظام وريث حافظ الأسد الديكتاتوري، وحينما اضطررت للهرب نحو الأراضي التركية، في أواخر سنة 2012، غابت موجات إرسال المحطات العربية عن مذياع سيارتي، فلجأتُ إلى اقتناء (ثري جي) وصرتُ أكتفي بسماع صديقة مراحل عمري كلها، السيدة فيروز، وبالأخص أغانيها التي لم يتمكن زياد الرحباني من الهبوط بمستواها إلى مرتبة "ضاق خلقي يا صبي" و"كان غير شكل الزيتون".
ولكن، ما حصل، قبل نحو أسبوعين، أنني قرأتُ مقابلة موجزة مع راغب علامة في "العربي الجديد"، وفيها توقفتُ عند قوله: (لم ولن أتدخل بأي شأن سياسي يتعلق بأي دولة غير لبنان)!
سررتُ كثيراً بهذا التصريح، فهو يعني أن الأستاذ راغب لن ينط في خلقتنا، ويغني "أبو باسل قائدنا يابو الجبين العالي"، مثلما كان سَلَفُهُ اللبناني علي حليحل يفعل، ولن يجلس في ستوديوهات المحطات العربية، ويتهم معارضي بشار الأسد بأنهم أغبياء وعملاء وخونة ومتعاونون مع الأجنبي، ويقبضون المال الخليجي ويعملون لأجندات غير وطنية، مثلما يفعل أصحاب المعالي والنيافة، ناصر قنديل ووئام وهاب وأمين حطيط وفيصل عبد الساتر الذين تفوقوا في حبهم الديكتاتور الأسد على كل المنحبكجية والشبيحة السوريين، متفرقين ومجتمعين.
في هذه اللحظة التاريخية، ارتفعت أسهم راغب علامة عندي، وقررتُ أن أرجع إلى أغانيه، وأدرسها دراسة معمقة، مثلما فعلت من خلال البرنامج الإذاعي "أنا وفيروز والزمن طويل"، والذي كتبتُه لإذاعة دمشق قبل بضع سنوات، وقدمته السيدة منى واصف بصوتها العذب.
ولكن، لم يسمح الأخ راغب علامة لهذا الانطباع الجميل أن يدوم في ساحة شعوري طويلاً، إذ سرعان ما استدرك قائلاً: إن الانتخابات الأخيرة خرجت بانتخاب الرئيس بشار الأسد! و(الشعب) السوري قال كلمته، سواء اتفقنا معه أو اختلفنا معه.
ههنا انهارَ احترامي للسيد راغب علامة، مثلما انهار جلمودُ الصخر الذي حطَّهُ السيلُ من علِ.. وقلت له بصوت كدتُ أسمعه:
- عن أي شعب تتحدث يا عين عمك؟ عن 300 ألف سوري الذين قتلهم بشار الأسد؟ أم عن ثمانية ملايين شردهم إلى دول الجوار؟
أنت رجل متوسط الذكاء، يا سيد راغب، بدليل أنك لا تستطيع إعراب المعادلة البسيطة التالية:
أولاً- 50% من الشعب السوري مستمر في الثورة ضد بشار الأسد منذ أربع سنوات.
ثانياً- نتيجة الانتخابات التي تحترمُها حضرتك نصت على أنه فاز بنسبة 90 في المائة من أصوات السوريين!