رافال ماكرون تقصف حقوق الإنسان
مع ظهور وباء كورونا، ندّد الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفراي بـ"انعدام كفاءة القادة الأوروبيين واستهتارهم في مواجهة التفشي الخطير للوباء"، معتبراً أن أوروبا أضحت "العالم الثالث الجديد".
ماذا لو وضعنا أمام هذه الرؤية الاستعلائية وقائع كشفتها وثائق رسمية عن تحوّل رئيس فرنسا، منارة أوروبا، إلى تاجر حربٍ على الإرهاب، يلتزم تمامًا بقوانين سوق هذه الحرب، كما وضعها جنرالٌ من العالم الثالث؟
بالطبع، لن تعرف جرائم الحرب المرتكبة في الصحراء الغربية بالتعاون بين القاهرة وباريس في العام 2016 طريقها إلى الصحافة المصرية، ولن يتناولها الإعلام اللاهث خلف عركة المهرجان، أو مهرجان العركة، بين حارس الفضيلة الفنية، هاني شاكر، والمناضل المدافع عن حرية الإبداع، نجيب ساويرس.
من المنطقي أن يتصنّع كل هؤلاء الخرَس والعمى أمام وقائع الإجرام التي كشفت عنها الوثائق الفرنسية المسرّبة من قصر الرئاسة عن التعاون بين القوات المصرية والمصرية في ارتكاب أعمال إبادة بحق مدنيين في الرمال الممتدة بين مصر وليبيا، تحت شعارات الحرب على الإرهاب.
التفاصيل مروّعة إلى الحد الذي أوجع ضمائر العسكريين والفنيين الفرنسيين الذين اكتشفوا أنهم شاركوا في مهمةٍ لقتل عشرات المدنيين، فيما كانوا يتصوّرون أنهم ذاهبون لمعاونة الجانب المصري في الحرب على الإرهاب.
الجريمة وضعت بذورها في الأيام الأخيرة من حكم الرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا هولاند، ثم نمت وترعرعت وتوحشت مع خلفه الشاب إيمانويل ماكرون، فنان المشاهد العاطفية، التي يؤدي فيها دور المناضل من أجل حقوق الإنسان وكرامته، وأسفرت عن عشرات الضحايا المدنيين، منهم المهندس الشاب أحمد الفقي، الذي تكشف الوثائق عن تصفيته، مع اثنين من زملائه لدى عودتهم من مقر عملهم في الصحراء، وتم تهديد أفراد عائلته وهم يتسلمون جثته إن رفضوا الإذعان لرواية "قُتل في ظروف غير معلومة".
هذه الظروف معلومة بتفاصيلها لدي ساكن قصر الإليزيه، الشاب إيمانويل ماكرون، صديق الجنرال عبد الفتاح السيسي، والذي يثرثر دومًا بعباراتٍ أنيقةٍ عن حقوق الإنسان، غير أن الإنسان عند ماكرون ليس سوى حفنة أسماء لناشطين يعرفهم جيدًا، ويثير قضيتهم كلما التقى السيسي.
وفقًا للوثائق السرّية التي حصل عليها موقع Disclose، ربما تكون القوات الفرنسية قد تورّطت في ما لا يقل عن 19 تفجيرًا للمدنيين بين عامي 2016 و2018، إذ دمّرت الغارات عدة سيارات، وقد يصل عدد الضحايا إلى عدة مئات.. ووفقاً لمعايير قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 56/83، يقول الموقع، يمكن إثبات تواطؤ فرنسا في عمليات الإعدام غير القانونية هذه.
يمضي التحقيق المنشور في سرد الوقائع حتى يصل إلى العام 2019 في أوائل عام 2019، حين قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، برفقة وزيرة القوات المسلحة فلورنس بارلي، بزيارة رسمية إلى مصر، حيث تم تزويد كليهما بوفرة مع الملاحظات الرسمية مسبقًا، ومنها واحدة كتبها في 19 يناير/ كانون الثاني، مكتب إفريقيا في المكتب الرئاسي الفرنسي، قصر الإليزيه، وأبلغت الرئيس الفرنسي بـ "ضرورة" التوصل إلى اتفاقٍ يضمن "إطاراً قضائياً متيناً" للفريق الفرنسي على الأرض، كما أوصى تقريرٌ آخر موجه إلى بارلي بوضع حد للممارسات التعسفية للعملية.
ماذا كان رد فعل ماكرون حينها؟ لا شيء .. لا توقيع على أي اتفاق، ولم يتم التشكيك في البعثة، بل بقي دعم الديكتاتورية هو الأولوية مهما كان الثمن، حيث لم تمر عدة شهور، حتى قلد إيمانويل ماكرون الجنرال عبد الفتاح السيسي الوسام الأكبر من وسام جوقة الشرف الفرنسي، خلال مأدبة عشاء على شرفه في قصر الإليزيه، بمناسبة زيارته التي استمرّت ثلاثة أيام.
بعد أربعة أشهر من ذلك الحفل، يقول التقرير، اشترت الديكتاتورية المصرية 30 طائرة مقاتلة أخرى من طراز رافال من فرنسا، في صفقة قيمتها 3.6 مليار يورو، لتضاف إلى 24 طائرة مقاتلة من طراز رافال وفرقاطتين متعدّدتي الأغراض (FREMMs) بقيمة إجمالية تبلغ 5.6 مليار يورو، حصلت عليها فرنسا قبل أن تبدأ المشاركة في عملية قتل المدنيين بالصحراء الغربية.
تلك هي فرنسا، وهذا هو رئيسها الشاب باختصار: أحد تجّار الحرب على الإرهاب، مثله مثل أي جنرالٍ من العالم الثالث عندما يكون بصدد صفقةٍ مربحة.