"رجعوا التلامذة للجدّ تاني"
أبناء جيلنا، أو على الأقلّ، من مرّوا بالتجارب نفسها التي مررْنا فيها، يتذكّرون أغنية الشيخ إمام، التي كتب كلماتها أحمد فؤاد نجم: "رجعوا التلامذة للجدّ تاني". كُتبت كلماتها وغُنّيت في أجواء التحرّك الطلابي الذي عمّ الجامعات المصرية، وامتدّ أثره إلى الأوساط الطلابية في بلدان عربية أخرى، بعد هزيمة 5 حزيران (1967)، مطالباً بالثأر من العدوّ الصهيوني، وردّ الكرامة الوطنية والقومية.
نعود اليوم إلى كلمات هذه الأغنية، على خلفيّة التحرّكات الطلابية، التي تعمّ الجامعات في البلدان الغربية، بما فيها الولايات المتّحدة، الداعم الأكبر لإسرائيل في عدوانها البربري على قطاع غزّة، والذي يشمل الضفة الغربية أيضاً. ومع أنّ الأغنية انطلقت من الواقع المصري الملموس يومها، لكنّ العودة إليها سترينا أنّها تلائم التحرّكات الطلابية المُناصرة للحقّ الفلسطيني والمُندّدة بالعدوان الإسرائيلي، وهي التحرّكات التي كان لها أكبر الأثر في تشكّل رأي عام غربي، وعالمي، جديدَين، ويمكن القطع، أيضاً، بأنّه غير مسبوق في التضامن مع فلسطين، من ثماره أنّ عدداً متزايداً من الدول الغربية، وغير الغربية، أيضاً، أعلنت اعترافها بالدولة الفلسطينية المُستقلّة.
لا بأس أن نُذكّر ببعض كلمات أغنية أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام، التي تشير إلى "صحوة" طلابية وشبابية في تبنّي الشأن الوطني والقومي، رغم محاولات إلهاء الشباب عن كلّ ما هو سياسي، حين تقول: "رجعوا التلامذة يا عم حمزة للجدّ تاني... لا كورة نفعت ولا أونطة/ ولا المناقشة وجدل بزنطة/ ولا الصحافة والصحفجية/ شاغلين شبابنا عن القضيـــة/ قيمو لنا صهبة يا صهبجية/ ودوقونا طعم الأغاني/ رجعوا التلامذة للجدّ تاني".
الشعراء والفنانون ليسوا عرّافين، يقرأون المستقبل، ولكن، هناك نصوص وأغانٍ تعيش عبر الزمن، وتتخطّى اللحظة التي كُتبت فيها، ومن وحي أجوائها، ومنها هذه القصيدة – الأغنية، ولأنّنا شهود على أنّ التحركات الطلابية في الغرب، وفي العالم، المناصرة لغزّة ولفلسطين، انطلقت من الجامعات الأميركية قبل غيرها، فلنقرأ، إذن، ما كتبه أحمد فؤاد نجم وغنّاه الشيخ إمام في الأغنية نفسها، وكأنّ لسان حالهما يتحدّث عن حاضرنا في عام 2024، وليس عن نهاية ستينيات وبداية سبعينيات القرن المنصرم فقط، فجاء فيها: "يا صوت أميركا يا أمريكاني/ رجعوا التلامذة يا عم حمزة للجد تاني".
ألا يصحّ القول إنّ هذين البيتَين بالذات من القصيدة يصفان الفشل الذريع الذي انتهت إليه آلة التضليل الإعلامي الأميركي، والصهيوني بالطبع، في حجب حقيقة ما جرى ويجري في غزّة وفلسطين، ليس بعد 7 أكتوبر (2023)، وإنّما منذ قامت دولة الاحتلال على أرضٍ ليست لها، طردت منها أهلها، وحوّلتها قاعدةً متقدّمةً للنفوذ الأميركي – الأطلسي في المنطقة؟ فها هو الرأي العام العالمي يثور غاضباً على عدوان إسرائيل وداعميها، بعد أن أدّى الصمود الفلسطيني في غزّة، والضفّة الغربية أيضاً، إلى لفت الأنظار إلى حقيقة ما يجري، ولم تفلح التعبئة السياسية والإعلامية المُحكمة، التي جرت لتوظيف عملية حركة حماس في غلاف غزّة ولشيطنة كلّ ما هو فلسطيني، في الحيلولة ليس دون عودة "التلامذة للجدّ تاني" فقط، وإنّما تشكّل واقع دولي جديد، شعبيّاً، وإلى حدّ ما، رسميّاً أيضاً، في النظر إلى القضية العادلة للشعب الفلسطيني، فلم تعد إسرائيل في صورة الضحية المُهدّدة بالأعداء من كلّ جانب، إنّما بانت على حقيقتها منذ قيامها، كياناً مُحتلّاً وغاصباً يقترف الجرائم ضدّ شعبٍ مُتمسّك بحقّه في البقاء على تراب بلاده، وإقامة دولته المُستقلّة فيه.
لقد انقلب السحر على الساحر، ورغم بشاعة ما ترتكبه إسرائيل من جرائم في قطاغ غزّة أدّت إلى عدد مهول من الضحايا، هو إلى ازدياد كلّ يوم، وإلى دمار وتهجير، فإنّ العدوّ الذي حسب حربه في غزّة جولة سريعة لن تستغرق سوى أيام أو أسابيع محدودة جدّاً، سيدّمر فيها القطاع ويقتل من فيه أو يُهجّرهم، وقبل هذا وبعده، يقضي على مقاومته المُسلّحة، ها هي شهور ثمانية تمرّ، وليس من هدف أعلنت إسرائيل الحرب من أجله قد تحقّق، أكان القضاء على المقاومة أو استعادة الرهائن من جنودها ومواطنيها المحتجزين في غزّة، والذين قتل كثير منهم بنيران إسرائيل نفسها، بل إنّ القضية الفلسطينية التي حسب كثيرون أنّها إلى موات، ها هي تعود بقوّة لم نعرف لها مثيلاً.