رسالة حبّ في زمن الحرب
صديقتي الغالية، وسميّتي الرائعة.
لا أعرف كيف أشكرك على مفاجأتك الجميلة الرائعة. يا إلهي، كم أعجز عن وصفها، وكيف كان وقعها على قلبٍ ذابل، ولكن أقرب وصفٍ لها أنها كانت بجمال وردةٍ نضرةٍ تحت كومةٍ من الشوك بعد بحثٍ مضن. هكذا كانت هديّتك، حين كتبتِ لي في صباح اليوم الذي عادت فيه الحرب، وكنتُ أترقّب عودتها بقلبٍ راجفٍ، وأمسك بهاتفي بأصابع أكثر ارتجافا، وذلك بعدما تهاوت احتمالات تمديد الهدنة المؤقّتة، ولكني قرأتُ رسالتك الإلكترونية، لأنني لا يمكنني تأجيل قراءة أي رسالة منك.
كنت تنقلين إليّ التهاني والأمنيات بذكرى يوم ميلادي، وأنت تستحقّين تلك التهنئة، فأنا وأنت نحمل الاسم نفسه، ولنا تاريخ ميلاد مشترك، إضافة إلى أننا نشترك بملامح وهوايات وطباع، وإن كنتِ أطول مني قامة، وأقلّ حبّا للطعام، ما أثار استغرابي دوما زهدك بأطايبه، ولذلك احتفظت بقوامك الجميل حتى بلغنا هذا العمر.
كتبت لي أن صديقاتك المقرّبات في كندا، حيث استقر بك الترحال كحال أي عائلة فلسطينية تقاذفتها الموانئ والمطارات، قد قرّرن أن يبتعن لك هدية مميّزة في ما بينهن. ولكنك نقلت إليهن اقتراحا أكثر إدهاشا، ولكنه لا يصل إلى اندهاشي بك الذي يزداد يوما بعد يوم، ومع كل موقفٍ يبدر منك نحوي، فقد نقلت إلي فرحتك بأن صديقاتك وافقن على اقتراحك النبيل، أن يرسلن الهدية عبر البريد إليّ، وسوف تستغرق وقتا طويلا حتى تصل إلى بلاد الحرب والحصار، ولكنها ستصل حسب توقعك وأملك وتكون الحرب قد انتهت، ووقتها يمكنُني الاستمتاع بها.
ها أنتِ، يا صديقة، كما اعتدتِ دوما قد بعثت الأمل بداخلي، وأطلقت شهية خيالي لتوقّع ماهية هذه الهدية وافتراضها، وسمحتِ لابتسامة أن تطوف على وجهي المُتعب، وقد احتضنت هاتفي بقوة، وضممتِه إلى صدري، فيما تعالى صوت القصف المجنون من حولي.
آه، يا صديقة العمر، تخيّلي أننا تعارفنا في أوج انتفاضة الحجارة، وأوج مراهقتنا، عن طريق نادي القرّاء في صحيفة محلية، وظلت الرسائل التي تمرّ على الرقيب العسكري، ويقرأها قبلنا، هي الرسول بيننا، ولم تهدأ لهفة الشوق إلى لقاء دبّره القدر بعد أربع سنوات حتى حدث فعلا فالتقينا في عمّان، وحيث عدتً بعده إلى غزّة لأتزوج، حيث لا خيارات لي غيره، وبقيتِ أنت هناك، لتكملي دراستك الجامعية، وتحملك بلاد وتحطّين رحالك في بلاد، وتباعدت بيننا المسافات حتى قرّبت بيننا ذات مصادفة القرية الإلكترونية، فعُدنا كأننا لم نفترق ولم يتغيّر فينا شيء سوى أننا أصبحنا أمهات.
صديقتي وسمّيتي
أكتب إليك كل الشكر، وفي قلبي كل العجز، ولا أدري هل سنلتقي بعد حربٍ ضروس كهذه كما نحلم دوما، أم أن الأقدار قد رتّبت لنا لقاء واحدا وبخلت علينا بغيره؟ وإن كان كذلك، فاعلمي أنك باقية في قلبي وروحي مع كل ذكرياتنا الجميلة التي عشناها على الورق. ولعلك تذكرين حين ضحكنا على ابن الجيران ومغامراته، ليلفت انتباهي وانتباهك، وكان لنا ابن جيران مثل كل الفتيات المراهقات الجميلات الحالمات اللواتي يمشين على الأرض بخفّة ريشة، ويتنهّدن طويلا قبل أن يقرّرن الكلام، مقلّدات الممثلة ماجدة الصباحي في معظم أدوارها المكرّرة بالأداء نفسه.
تذكُرين، بالطبع، ابن الجيران الذي أسقط طبقا من البيض النيئ على درج البناية حين اصطدم بجمالك الباهر الصاعد. وتذكرين حين حدّثتك عن ابن الجيران الذي كان يتتبعني ذهابا وإيابا إلى المدرسة، حتى انهال عليه بقية الفتية الغيورين ضربا، وكالت لي أمّه الشتائم لأنني كدتً أفقدها ابنها الوحيد، رغم أنني لم يكن لي يد في ما حدث له.
صديقتي، يا صديقة الحروب والأمان الزائف، والأمل المتراوح، والدمع الصادق، لك مني كل الشكر وكل الحب، ولحبّنا وصداقتنا وعلاقتنا غير الطبيعية والمتراوحة بين بعد وقرب كل الأمنيات، بعيدا عن هذا العالم المجنون حولي، والذي حتما سينتهي على نحوٍ ما.