رقصة صهيونية فوق قبر أمل دنقل
أسوأ الكوابيس تتمدّد أمامنا الآن واقعًا يتحقق على الأرض، وأكثر النكات سخونةً وطزاجةً تستحيل حقائق باردة وسمجة وثقيلة الظل. كان أبعد ما نصل إليه في السخرية أن نتضاحك على احتمالية حضور الكيان الصهيوني اجتماعات جامعة الدول العربية، بصفة مراقب، وها هو الواقع يُخرج لنا لسانه ساخرًا من سخريتنا لينبئنا بأننا قريبون من لحظة قد يتغير فيها مسمّى الجامعة العربية إلى "جامعة إسرائيل زائد الدول العربية".
نحن في مرحلة إشعال النار في الخرائط المقدّسة، واقتياد الجغرافيا، مثل سبايا الحرب الجريحات، إلى مخادع المنتصرين، يفعلون بها الأفاعيل، ثم يحوّلونها إلى خادمة لهم حين يخلدون للراحة.
قبل أن يتسلم جو بايدن منصبه الرئاسي بساعات، كان سلفه ترامب قد أصدر القرار: ضم إسرائيل إلى عمليات القيادة الوسطى بمنطقة الشرق الأوسط .. هذا يعني مباشرًة أن الجندي العربي سوف يحارب، بالأمر، جنبًا إلى جنب، ويدًا بيد، وكتفًا بكتف، مع جندي الاحتلال الصهيوني .. أين أمل دنقل ليشاهد هزيمتنا وهزيمة قصيدته الآن، وهم يفقأون عيني المقاتل العربي، ويثبتون مكانهما جوهرتين صهيونيتين، ثم يُلزمونه بأن يرى، ويجبرونه على شراء الأشياء التي لا تُشترى؟.
بموجب هذا القرار: جيش الاحتلال الصهيوني والجيوش العربية، المنضوية تحت لواء القيادة الوسطى الأميركية، يد واحدة في مواجهة عدو مشترك: إيران .. والإرهاب، والذي هو الإسلام السياسي المقاوم للكيان الصهيوني، وفقًا للتعريف الأميركي الإسرائيلي. بمقتضى هذه المعادلة، سوف تنحني الأرض العربية طائعةً ذليلةً تحت أقدام جندي الاحتلال، وقد تكون المدن العربية بين أنامل المحارب الصهيوني، يتخير ما يشاء من مناطقها، لكي يعسكر ويبيت ويتحرّك، ويعربد خلال حربه على الإرهاب مع حلفائه العرب. بمقتضى هذا العار، قد يكون المحارب العربي مجبرًا على دعوة شريكه في الحرب ضد الإرهاب إلى منزله، ليتناول العشاء من يد زوجته، ثم يطلب صورة تذكارية مع الأبناء .. ولو رفض ذلك كله يجد نفسه، هو شخصيًا، مدرجًا على قوائم الإرهاب.
ماذا لو عاد شاعر "لا تصالح" ورأى اليد التي كان سيفها لنا ممدودة بكوب الماء وكسرة الخبز وقطعة من لحم السابقين من الشهداء إلى اليد التي سيفها أثكلنا وأدمانا وقتلنا؟. هذا ما تركه ترامب لخلفه بايدن، في منتصف يناير/ كانون ثاني الماضي، ودخل حيز التنفيذ، من دون أن تسمع همسًا أو همهمة رفض واعتراض في عواصم العرب، أما ما هو قيد البحث والتنفيذ لدي الإدارة الأميركية الجديدة فهو أخطر وأبعد، إذ ينقل إسرائيل إلى كابينة قيادة السياسة العربية، ويدقّ المسمار الأخير في نعش كيان هزيل ومريض اسمه "جامعة الدول العربية"، إذ تنظر إدارة بايدن الآن في المشروع المقترح من كل من: روبرت دانين، وهو باحث في مشروع مستقبل الدبلوماسية في مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية، التابع لمدرسة كيندي في جامعة هارفارد، وأيضًا مسؤول سابق في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الأميركي. وماهسا روهي، الباحثة بمعهد الدراسات الاستراتيجية التابع لجامعة الدفاع القومي الأميركي، ومحور المشروع هو إقامة كيان شرق أوسطي جامع، يضم إسرائيل والدول العربية، تحت المظلة الأميركية.
تبعًا للتقرير الذي نشره الباحثان المذكوران في مجلة ناشونال انتريست الأميركية فإن ما هو مطلوب للغاية للتعامل مع القضايا في الشرق الأوسط هو منتدى إقليمي دائم شامل واسع النطاق، يضم كل دوله في مكان واحد، ويختلف عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، في أنه يمكن أن يكون محورًا داخل الشرق الأوسط، لمواجهة قضايا المنطقة.
ويواصل الباحثان إن عقد هذا المنتدى الخاص بالشرق الأوسط تحت إشراف شخصية دولية تحظى بالاحترام، مثل سكرتير عام الأمم المتحدة أو من يقوم بتعيينه، ويرحب بمشاركة جميع دول المنطقة، من دون اشتراط الاعتراف أو العلاقات المباشرة بين أعضائه، ومن ثم، من الوارد أن تجتمع إيران و السعودية، وسورية، وإسرائيل على مائدة واحدة. يمكنك أن تتخيل، حال إنشاء هذا المحور، أو المنتدى الجديد، ماذا سيكون وضع جامعة عربية هي في عداد الموتى أصلًا، وأين سيكون المقر الدائم له: تل أبيب أم القدس المحتلة أم القاهرة أم أقصى المغرب العربي أو المشرق؟ أم أنه سيكون بالتداول بين الدول الأعضاء؟ وماذا سيكون اسمه؟. وماذا عن حفل التدشين وما بعده، وماذا لو طلب الجندي الصهيوني والسياسي الصهيوني القيام بجولة سياحية بعد الاحتفال في القاهرة، أو صعيد مصر أو الدلتا مثلًا؟ أغلب الظن أنهم سوف يحرصون على زيارة قبر أمل دنقل، أو سليمان خاطر، وقد يقيمون حفلًا راقصًا احتفالًا بالنصر على شعر أمل دنقل، ورومانسبة سليمان خاطر، ويطلبون إزالة صور الشهداء بالأبيض والأسود من فوق حوائط البيوت.
ضع ما يوصلك إليه خيالك، بجانب الواقع المشين الخاص بالشراكة العربية الصهيونية تحت مظلة الجيش الأميركي، تجد الحصيلة أن عرب العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين أكثر ولاءً ووفاءً لأحلام الصهيوني العتيد شيمون بيريز التي تركها في كتابه عن "الشرق الأوسط الجديد" قبل أن يرحل.