سأقرأ هذا الكتاب الليلة
كنت أفكّر بسفرة سريعة إلى الدوحة هذه الأيام لزيارة معرض الدوحة الدولي للكتاب المقام حاليا، لولا أنني فكّرت بالكتب التي حصلت عليها من معرض الكويت الدولي للكتاب قبل ما يقرب من سبعة شهور، وما زالت تنتظرني لأبدأ قراءتها. لا أريد مزيدا من الكتب حاليا، لأنني لا أريد مزيدا من الشعور بتأنيب الضمير كلما التفتّ إلى الكتب التي لم أقرأها بعد، بل إنني لم أفضّ أغلفتها البلاستيكية حتى، ولم أرتّبها في رفوف المكتبة على حسب موضوعاتها وعناوينها وأسماء مؤلّفيها كالعادة. فهي ما زالت محشورةً في ثلاثة صناديق ورقية كبيرة تقبع في واحدةٍ من زوايا الغرفة، وأنا لا أفعل سوى أنني أقلبها أحيانا، بحثا عن عنوانٍ ما من بينها، لإيهام نفسي أنني أستعدّ للقراءة، ثم أعيدها إلى تلك الصناديق قبل أن أنشغل بشيء آخر.
أعرف أنني أزور معارض الكتب عادةً لا للحصول على الكتب أو حضور الندوات والفعاليات الثقافية على هامشه وحسب، ولكن أيضا لأعيش حالةً من الشغف بالقراءة والكتب، وألتقي كثيرين، لا أجد فرصة للقاء بهم سوى في مثل هذه المناسبات. لكن الحصول على الكتب يبقى الهدف الأول، ومن الواضح أنني لم أعُد أقرأ بمعدّل السرعة ذاتها التي كنت أقرأ بها قبل سنوات، كما أن كمية الكتب التي أصبحتُ أحصل عليها من غير المعرض أصبحت أكثر، ما جعل شعوري بالعجز يتضاعف مرّات ومرّات، كلما عجزتُ عن قراءة الكتب التي أحبّ قراءتها في الوقت الذي أحدّده مسبقا. أما ما يخفّف وطأة هذا الشعور عليّ فهو ازياد شغفي بعالم الكتابة وعادة القراءة، رغم أنني لم أعد أقرأ كالسابق على صعيد الكمّ. لم أعد أحمل كتابا في حقيبتي لأباشر القراءة في أي موقف انتظارٍ أو حتى وأنا في المقعد الخلفي للسيارة. رفوف المكتبة مرتّبة جدّا على غير العادة عندما كانت المكتبة في قمّة الفوضى بسبب ما أسحبه منها يوميا من دون إعادة ترتيبٍ للرفّ. المكتبة المرتّبة الى هذا الحد ليست مكتبتي المفضلة، ولا أشعر بألفتي القديمة معها.
إنها مشكلة حقيقية. لا بد أن أعترف بهذا أمام نفسي وأمام الآخرين، وها أنذا أفعل. فما الحل إذن؟ شكوتُ الأمر لصديقةٍ تحبّ القراءة، وتكاد تلتهم كتابا كل يوم، حتى أننا كنا نتبارى في عدد ما نقرأه من الكتب أسبوعيا، وهي ما زالت على عادتها، ما جعلها تتفوّق عليّ في كل تحدّيات القراءة خلال هذا العام، فقالت إن الأمر مؤقت كما يبدو بسبب انشغالاتك الكثيرة، والتي لا تكاد تترك لك وقتا لتلبية نداء القراءة، ثم أنك، بحكم عملك الصحافي، تقرأين الكثير من الموادّ الثقافية وغيرها يوميا، عبر وسائل أخرى غير الكتب، وهو ما يجعل عزوفك عن قراءة الكتب تحديدا مبرّرا.
حسنا ... أراحنى ما قالته الصديقة قليلا، وجعلني أنظر إلى المشكلة من زاويةٍ أخرى، لكنه لا يفسّر لي بقاء أحد أهم الكتب التي صدرت هذا العام مفتوحا على الصفحة رقم 75 منذ أربعة أيام. هذا كثيرٌ جدا على من كانت تقرأ كتابا من 400 صفحة تقريبا خلال يوم واحد فقط رغم مشاغل العمل أيضا. أنظر إلى الكتاب الذي احتلّ مساحته على المنضدَة الصغيرة بجانب سريري، وأقرّر أن أنهيه الليلة مهما كلفني ذلك من تأجيل مهمّاتٍ تنتظرني. قلت لنفسي إن هذه هي الطريقة الوحيدة لأتجاوز العقدة النفسية التي من الواضح أنني أصبت بها أخيرا. لن أتنازل عن متعتي في القراءة والشعور بالإنجاز بعد الانتهاء تحت وطأة مشاغلي بعد الآن.