25 اغسطس 2024
سامر رضوان والمسلسل البوليسي
شاهدتُ، وأنا أخوكم، أربعةَ مسلسلات تلفزيونية من تأليف سامر فهد رضوان، مجموعُ حلقاتها 123، هي: الولادة من الخاصرة في ثلاثة أجزاء، ودقيقة صمت. الحلقات كلها تحقق للمشاهد السويةَ ذاتها من التأثر الإيجابي، وتدفعه إلى التفكير بأن العامل الأساسي في نجاح أي عمل تلفزيوني هو المتعة التي تتحقق للمتلقي، وترغمه على المتابعة بنهم، فيشاهد ما مجموعُه خمس ساعات، مثلاً، في اليوم الواحد. وكان هذا الأمر قد حصل مع كاتب هذه الأسطر في أثناء مشاهدته مسلسلَ الزير سالم للراحل ممدوح عدوان، وغزلان في غابة الذئاب لفؤاد حميرة، والمفتاح لخالد خليفة، وغداً نلتقي لإياد أبو الشامات.
سيعترض بعض النقاد والمتابعين والعاملين في الوسط الفني على هذه الأحكام، بذريعة أنها مجتزأة من سياقها، وسيعزّزون رأيهم بأن العمل الفني ذو طبيعة جماعية، لا ينجح إذا لم يتهيأ له كاتب متميز، ومخرج ذو عين مبدعة ومقدرة استثنائية على إدارة المجاميع البشرية والاستفادة من التقنيات التي يمنحها الكومبيوتر، ومنتجٌ شجاعٌ يعطي للإنتاج الكبير حقه من المال والمغامرة، وفريق من الفنيين الأكفاء. هذا الكلام صحيح، بالطبع، ولكن ظروف النجاح نفسها، أعني وجودَ مخرج ومنتج متميزين وفنيين أكفاء، قد تهيأتْ لأعمالٍ أخرى، وحققت نجاحاً أقلَّ مما حققته أعمال سامر رضوان.
أحاول هنا تلمسَ الأسباب التي أدت إلى هذا النجاح، وأهمها أن ما يكتبه سامر قريب من مفهوم المسلسل البوليسي الشائق المبني على أحداث وعلاقات سياسية واجتماعية وإنسانية جذّابة. جدير بالذكر أن المسلسلات البوليسية السورية السابقة كانت تُمْنَى بالفشل الذريع، وينفضّ المشاهدون عنها، لأنها جبانة، تقتصر في موضوعاتها على ملاحقة الشرطة الجنائية مهرّبي البضائع الممنوعِ دخولُها جمركياً إلى سورية، أو تجارة المخدّرات، وتحاول رصد الأساليب التي يحاول المهرّبون ابتكارها، كزراعة الحشيش في جوف نباتات الملفوف وهي في طور الشتلات، وانتظارها حتى تكتمل ليصبح خداع الضابطة الجمركية بها ممكناً، أو تحميل البضائع المهرّبة على ظهور الجحاش، وتدريبها على الدخول من لبنان إلى سورية عبر ممرّات جبلية مهملة، أو دخول مواطن سوري إلى لبنان على دراجة عتيقة وعودته إلى الأراضي السورية على ظهر درّاجة جديدة هرّبها من لبنان.. وهذا ليس عامل الفشل الحقيقي، فالأهم منه أن تلك المسلسلات البوليسية كانت تُظهر رجال الأمن الذين يمثلون النظام السوري قمما في الشرف والإخلاص، لا هَمَّ لهم غير حماية الشعب والاقتصاد الوطني.. وجاء سامر رضوان ليرينا أن النظام السوري بوليسي تام الأركان، فاسد، ذو تركيبة تراتبية (هرمية) بالغة التعقيد. والتوجّه الأساسي الموجود لدى معظم الشخصيات التي تحتل مراكز قيادية في تلك التراتبية هو العداء للمواطن السوري، ابتداء من المواطن المعارض (المتآمر)، وصولاً إلى المواطن العادي الذين يذهب (فَرْق عملة) في سياق الصراع بين السلطة والشعب من جهة، وبين المتنفّذين أنفسهم من جهة أخرى.. وسامر لا يُلمح إلى هذه الأمور إلماحاً (كما العادة في الأعمال التلفزيونية السابقة) بل إنه يرفع بنيان مسلسله التلفزيوني على هذه الشخصيات، وظلالها، فهناك شخصياتٌ مخابراتيةٌ منفلتةٌ من عقالها يَسكت عنها النظام بحجة ضرورات أمن البلد (المقدّم رؤوف وراغب بيك، مثلاً) وهناك شخصيات مستبدّة مقرّبة من الأسرة الحاكمة تعمل في الفضاء الموازي للاستبداد الرسمي، مثل شخصيات الدكتور وأبو إياد و"شيخ الوادي أبو نبال"، وشخصيات تشتغل بالسلبطة والابتزاز على مستوى أدنى مثل أبو مقداد.
ما يُسجل لسامر رضوان، حقيقة، ابتعادُه عن الحلول الدرامية النمطية، وسرعة إيقاع أحداثه، وجملته الحوارية الذكية، والمقدرة على صناعة كاراكترات إنسانية قادرة على احتلال ذاكرة المشاهدين، كشخصية أبو حسام، وأبو إياد، وأبو نبال، وأم جابر، وأبو العزم، إضافة إلى أمير ورؤوف، وميزات أخرى لا يتسع المقام لعرضها.
أحاول هنا تلمسَ الأسباب التي أدت إلى هذا النجاح، وأهمها أن ما يكتبه سامر قريب من مفهوم المسلسل البوليسي الشائق المبني على أحداث وعلاقات سياسية واجتماعية وإنسانية جذّابة. جدير بالذكر أن المسلسلات البوليسية السورية السابقة كانت تُمْنَى بالفشل الذريع، وينفضّ المشاهدون عنها، لأنها جبانة، تقتصر في موضوعاتها على ملاحقة الشرطة الجنائية مهرّبي البضائع الممنوعِ دخولُها جمركياً إلى سورية، أو تجارة المخدّرات، وتحاول رصد الأساليب التي يحاول المهرّبون ابتكارها، كزراعة الحشيش في جوف نباتات الملفوف وهي في طور الشتلات، وانتظارها حتى تكتمل ليصبح خداع الضابطة الجمركية بها ممكناً، أو تحميل البضائع المهرّبة على ظهور الجحاش، وتدريبها على الدخول من لبنان إلى سورية عبر ممرّات جبلية مهملة، أو دخول مواطن سوري إلى لبنان على دراجة عتيقة وعودته إلى الأراضي السورية على ظهر درّاجة جديدة هرّبها من لبنان.. وهذا ليس عامل الفشل الحقيقي، فالأهم منه أن تلك المسلسلات البوليسية كانت تُظهر رجال الأمن الذين يمثلون النظام السوري قمما في الشرف والإخلاص، لا هَمَّ لهم غير حماية الشعب والاقتصاد الوطني.. وجاء سامر رضوان ليرينا أن النظام السوري بوليسي تام الأركان، فاسد، ذو تركيبة تراتبية (هرمية) بالغة التعقيد. والتوجّه الأساسي الموجود لدى معظم الشخصيات التي تحتل مراكز قيادية في تلك التراتبية هو العداء للمواطن السوري، ابتداء من المواطن المعارض (المتآمر)، وصولاً إلى المواطن العادي الذين يذهب (فَرْق عملة) في سياق الصراع بين السلطة والشعب من جهة، وبين المتنفّذين أنفسهم من جهة أخرى.. وسامر لا يُلمح إلى هذه الأمور إلماحاً (كما العادة في الأعمال التلفزيونية السابقة) بل إنه يرفع بنيان مسلسله التلفزيوني على هذه الشخصيات، وظلالها، فهناك شخصياتٌ مخابراتيةٌ منفلتةٌ من عقالها يَسكت عنها النظام بحجة ضرورات أمن البلد (المقدّم رؤوف وراغب بيك، مثلاً) وهناك شخصيات مستبدّة مقرّبة من الأسرة الحاكمة تعمل في الفضاء الموازي للاستبداد الرسمي، مثل شخصيات الدكتور وأبو إياد و"شيخ الوادي أبو نبال"، وشخصيات تشتغل بالسلبطة والابتزاز على مستوى أدنى مثل أبو مقداد.
ما يُسجل لسامر رضوان، حقيقة، ابتعادُه عن الحلول الدرامية النمطية، وسرعة إيقاع أحداثه، وجملته الحوارية الذكية، والمقدرة على صناعة كاراكترات إنسانية قادرة على احتلال ذاكرة المشاهدين، كشخصية أبو حسام، وأبو إياد، وأبو نبال، وأم جابر، وأبو العزم، إضافة إلى أمير ورؤوف، وميزات أخرى لا يتسع المقام لعرضها.