سدّ النهضة نحو مرحلة الحسم
احتفلت إثيوبيا قبل أيام بمرور 13 عاماً على بدء إنشاء سد النهضة. وامتاز الاحتفال الإثيوبي بنزعة تباهٍ ونوعٍ من الشماتة بمصر، استناداً إلى ما أعلنته القاهرة عن استئناف خطط قطع التيار الكهربائي بعد عيد الفطر. وبدا الاستفزاز واضحاً في الخطاب الإثيوبي بهذا الخصوص، حيث حرصت منصّاتٌ إثيوبية رسمية على إبراز أن السدّ أصبح أمراً واقعاً، وأوشك على الانتهاء بشكلٍ كامل. وذكرت أن أديس أبابا مستعدّة لمساعدة مصر على حلّ أزمة الكهرباء، شرط أن تتعاون القاهرة معها.
الواضح أن الموقف الإثيوبي بدأ يدخل مرحلة جديدة في العلاقة مع مصر بشأن ملفّ السد، فقد تبنّت أديس أبابا في بدايات المشروع قبل سنوات، خطاباً مطمئناً أكّدت فيه مرّاتٍ أنها لن تسبّب أية أضرار لمصر أو السودان، وأن المشروع تنموي، ويهدف إلى تلبية احتياجات الشعب الإثيوبي من الطاقة للاستهلاك وللتنمية. وبعد توقيع إعلان المبادئ مطلع عام 2015، وظّفته إثيوبيا دليلاً على موافقة مصر والسودان على المشروع. وانتقلت من تأكيد "عدم الإضرار" ببلدي المصبّ، إلى التذرع بنص الإعلان على ألا يكون الضرر "ذا شأن". ولاحقاً بدأت تكشف أن الطرف الوحيد المعنيّ بتعريف الضرر وتحديد مداه هو إثيوبيا.
تتّجه إثيوبيا حالياً إلى مرحلة المساومة ووضع الشروط، فهي تستغلّ ما تعتبرها أزمة طاقة في مصر لتجعل تزويد القاهرة بالطاقة مقابل التعاون معها. وإن لم تكشف بعد طبيعة ذلك التعاون ولا حدوده، ولا في أي مجال أو لأي غرض ولصالح أي طرف.
على الجانب المصري، يجعل الانتهاء من بناء السد بالكامل تقريباً وقرب تشغيله القاهرة في موقف أضعف إجمالاً. ولعلّ هذا ما دفعها إلى وقف التفاوض بعد الجولة التي انعقدت أواخر العام الماضي، وكانت بمثابة محاولة يائسة لاستصدار أي بادرة تعاون أو مرونة من إثيوبيا، ما لم يكن محتملاً بالمرّة، لأن أديس ابابا لم تُبد أي درجة مرونة أو إيجابية في عشرات جولات التفاوض منذ أزيد من عشرة أعوام.
لكنّ تغيّراً لافتاً طرأ على الموقف المصري، وهو الانتقال من مطالبة إثيوبيا بالتوصل إلى اتفاق ودعوتها إلى إبداء حسن النية، وغير ذلك من مطالب (مناشدات)، إلى تبنّي خطاب لوم وعتاب يتضمن تهديداً مبطّناً بالرد على نهج اثيوبيا الأحادي في إدارة مشروع السد، وانفرادها بالقرار في مختلف جوانبه، واحتكارها كل ما يتعلّق به، بما في ذلك المعلومات والبيانات الفنية. كذلك تطوّر الموقف المصري في ما يتعلق بمكامن الخطر المحتمل جرّاء السد. فبعد أن كان الخطاب المصري عاماً وشاملاً وغير محدّد، كشفت تصريحات رسمية أخيراً عن مسائل محدّدة، هي التي تثير قلق القاهرة من مشروع السد. فوفقاً لوزير الري المصري، هاني سويلم، يكمن الخطر الأشد على مصر من مشروع السد، في حالة الجفاف الممتدّ الذي قد يستمر أعواماً، حيث سيُستنزَف خلالها مخزون السد العالي، بينما ستكون كمّيات المياه التي يحتاجها المصريون كمقوّم أساسي للحياة، محجوزة في بحيرة السد الإثيوبي لتوليد الكهرباء.
هذا الإعلان المصري تطوّر إيجابي ومهم، إلا أنه جاء بعد فوات الأوان، فلو حدّدت القاهرة مخاوفها مُبكّراً، لربما أمكنها الضغط بفعالية على إثيوبيا واستصدار مواقف أطراف أخرى تتفهم وتستجيب لمخاوف القاهرة والخرطوم. ولانكشاف حقيقة مواقف الطرفين دلالات كثيرة، لعل أهمها أن لحظة الحقيقة باتت قريبة، وأن مرحلة الخطابات وإدارة الأزمة كلامياً انتهت. أما إدارتها فعلياً فلها وسائل عملية وأشكال متنوّعة، وعليها أيضاً قيودٌ ومحاذير كثيرة، وفي هذا أحاديث أخرى.