سعيّد يواصل لعبة إقصاء الخصوم
حكمٌ جديدٌ بالسجن ثماني سنوات على الرئيس التونسي الأسبق، المنصف المرزوقي، ضمن مسلسل الانتقام، الذي يكتب حلقاته الرئيس التونسي قيس سعيّد، منذ انقلابه على المسار الديمقراطي في 25 يوليو/ تموز 2021. وهذا هو الحكم الثاني، الذي يُصدرُه القضاء التونسي غيابيا، بحقّ المرزوقي الذي يعيش منفيا في فرنسا، حيث سبق للمحكمة نفسها أن أصدرت ضدّه، في ديسمبر/ كانون الأول 2021، حكما بالسجن أربع سنوات بتهمة الاعتداء على أمن الدولة في الخارج، وإلحاق ضرر دبلوماسي بالبلاد. ولولا تعسّف سعيّد، لكان المرزوقي يعيش في بلاده، التي عاد إليها بعد سقوط نظام الدكتاتور السابق زين العابدين بن علي، الذي ناهضه عقوداً، ودفع مقابل ذلك سجنا ونفيا، في الوقت الذي كان سعيّد على الهامش، لا دورَ سياسيّا له، ولا حضور على مستوى حقوق الإنسان. ومن ناحية أخرى، يأتي الحكم على المرزوقي ليؤكّد على أن الرئيس التونسي لم يجد وسيلة للردّ على منتقديه من المعارضة سوى الاعتقالات التي تصاعدت في العام الماضي، حيث جرى القبض على زعماء المعارضة كافة، بمن فيهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، الذي يقضي عقوبة بالسجن ثلاث سنوات، بتهمة تلقي حزبه تمويلا من الخارج. ويترافق ذلك، وفق جمعيات حقوق الإنسان، مع تكميم الصحافة، وفرض حكم استبدادي، وهدمٍ متواصل للديمقراطية الناشئة.
وتعدّ التهمة الموجّهه إلى المرزوقي واهية "الاعتداء على أمن الدولة وتحريض التونسيين ضد بعضهم البعض". وما قام به لا يتجاوز حديثا في ندوة في الخارج، وهو ما فسّره قضاء سعيّد بالتحريض، والدعوة إلى "قلب نظام الدولة". ولا يخفى على أحدٍ أن المغزى من التهمة هو العكس، حيث يحاول سعيّد تسويق الأحكام ضد الخصوم، من منظور الحرص على الدولة، عن طريق تصويرهم عملاء يتلقون التمويل والدعم من الخارج، من أجل التآمر على البلد، في حين تقدّم الملاحقات الأمنية والقضائية ضد المعارضين، وبعضهم من المرشّحين للانتخابات الرئاسية المفترض إجراؤها هذا العام، دليلا على أن استهدافهم وترهيبهم هما من أجل قطع طريق التصدّي له عن طريق صناديق الاقتراع، للتفرّد بالحكم وانتزاع ولاية رئاسية ثانية، وسبق له أن جرّب هذا الأسلوب في الاستحقاقات السابقة التي نظّمها، حيث تسبّب ضرب الأحزاب السياسية، وإقصاؤها، في عزوف كبير للمواطنين عن الانتخابات التشريعية الماضية، والمحلية التي جرت أخيراً، وبذلك نجحت الخطط المرسومة في استمرار الحكم الفردي، القائم على تعطيل الحياة السياسية، التي تعدّ قوى المعارضة محرّكها الرئيسي، وهي صاحبة تاريخ طويل في مواجهة حكم الدكتاتور السابق بن علي، ولعبت دوراً مهمّاً في حراك عام 2010، الذي أدّى إلى سقوط حكمه، وصياغة الدستور الجديد، وبدء مسار الانتقال السلمي للسلطة، الذي وضع سعيّد نهايةً له، بعد أن وصل إلى الرئاسة عن طريق الديمقراطية وصناديق الاقتراع.
يرفض سعيّد اتهامات المعارضة وهيئات حقوق الإنسان المحلية والدولية، ويصف منتقديه بالمجرمين والخونة والإرهابيين. لكن هذه "الكليشيهات" الشعبوية لم تعد قابلةً للتسويق، وأثارت الاتهامات الأخيرة للمرزوقي ردود فعل عكسية ضد سعيّد الذي صار ثابتا ضدّه تلاعبه بالقضاء، واستعماله سلاحاً ضد خصومه، بعد حلّ المجلس الأعلى للقضاء، وعزل 54 قاضيا، وأصبحت الأحكام تعكس إرادة السلطة التنفيذية في استهداف المعارضين لانقلاب 25 يوليو، الذي بدأ بتدابير استثنائية من أجل تعطيل الحياة السياسية، والعمل تدريجيا على تصفية المعارضة السياسية. وليس مصادفةً إن الفارق في إصدار الحكمين الجديدين أخيراً ضد المرزوقي والغنوشي، لا يتجاوز ثلاثة أسابيع، ما يعطي للتوقيت دلالة سياسية. وحسب ما يرى زعيم جبهة الخلاص المعارضة أحمد نجيب الشابّي، فإن هدف الأحكام استئصال المعارضة، للعودة إلى المربع الأول، ما قبل الثورة.