سنوات بايدن الصعبة
مرحلة أميركية جديدة تبدأ مع رحيل إدارة دونالد ترامب وتسلم إدارة جو بايدن، تختلف في الشكل والمضمون عن كل المراحل التي عرفتها الولايات المتحدة، حيث لم يسبق أن شهد انتقال السلطة هذا القدر من الشدّ والجذب بين الرئيسين الذي يدخل البيت الأبيض والذي يغادره. وفي عام 2000، حدث خلاف حول نتائج الانتخابات الرئاسية بين المرشحين، الجمهوري جورج بوش والديمقراطي آل غور، ولكنه لم يطل، وحسمت المحكمة العليا الانتخابات لصالح بوش، وسلم آل غور بالقرار القضائي الذي صدر بعد خمسة أسابيع من الانتظار، وقبل الهزيمة، على الرغم من أنه حاز أكبر قدر من الأصوات على المستوى الوطني.
يغادر ترامب البيت الأبيض بطريقة دراماتيكية، ويدير ظهره لنتائج الانتخابات التي فاز فيها منافسه بايدن بفارق وصل إلى قرابة سبعة ملايين من الأصوات، ويرفض حتى حضور مراسم التسليم، وهذه سابقةٌ لم تعهدها أميركا، في الوقت الذي تؤسّس لوضعٍ ينقسم فيه البلد على نحو عمودي، عكست بعض ملامحه التظاهرات العنيفة التي استهدفت مبنى الكابيتول، وذهب ضحيتها أربعة ممن اقتحموا الكونغرس. ولو لم تكن التظاهرات على قدر كبير من الخطورة، لما أعطت السلطات أهمية استثنائية لحفل تنصيب بايدن الذي خضع لإجراءات أمنية لم يسبق لها مثيل في تنصيب رئيس أميركي سابق.
هي بداية مختلفة للرئيس بايدن، لأنها شهدت احتجاجاتٍ وصفت بأنها "تمرّد وأعمال فتنة وإرهاب". ولكن الخطير في الأمر أن دماً سال وضحايا سقطوا فيها، وسجلت ظهور شارع مضاد للرئيس الجديد، قوامه أنصار الرئيس السابق الذي حصل على قدر من الأصوات يفوق 74 مليوناً بأقل من قرابة سبعة ملايين عن منافسه بايدن. وبدا أن هذا الشارع ليس عفويا، وإنما يحمل أفكارا يمينية متطرّفة، وهذا ما يمكن أن تحسب أميركا حسابه في فترة بايدن. ويمثل عدم مشاركة ترامب في حفل التنصيب تتويجا للانقسام الكبير بين أميركا ترامب وأميركا بايدن الذي تصرّف حتى الآن على أنه رئيس لكل الأميركيين، وسيعمل انطلاقا من ذلك على ردم الهوّة التي خلفها تمرّد ترامب على نتائج الانتخابات، والذي تمكّن من توليد قناعةٍ لدى قطاع واسع من الأميركيين بأن الانتخابات تم تزويرها وجرت عملية سرقة للنصر. وهذه قضيةٌ لن تمرّ من دون ردّات فعل من بعض الأوساط التي ناصرت ترامب على أسس سياسية ومبادئ عنصرية تقوم على مبدأ الأمة البيضاء بوجه أميركا التعددية.
بايدن الذي يواجه هذا الفخ الكبير يجد أمامه تحدّيات صعبة، لعل أهمها ملف فيروس كورونا الذي يفتك بالولايات المتحدة منذ عدة أشهر. وباتت أميركا البؤرة الأولى عالميا، حيث إن أرقام الوفيات في ازدياد وتجاوزت 400 ألف، والإصابات تقترب من 25 مليوناً، أي ما يعادل ربع الإصابات العالمية، وهذا يستدعي ردا سريعا ليس فقط على مستوى أميركا نفسها، وإنما على الصعيد العالمي، من أجل وضع استراتيجيةٍ كونيةٍ للتصدّي لهذا الوباء الذي يكاد يشلّ البشرية منذ قرابة عام.
سنوات بايدن تؤشّر، منذ البداية، إلى أنها سوف تكون صعبة، ولن تجري الريح بما تشتهي السفن. وما ينتظره على الصعيد الخارجي لن يكون أقلّ صعوبةً مما سيواجهه في الداخل. وحيثما نظرنا على المستوى العالمي، نجد ملفات معقدة تنتظر الرئيس الأميركي الجديد الذي يرث قدرا كبيرا من الأزمات التي ولدت خلال رئاستي باراك أوباما وترامب، ومنها الشرق الأوسط، الذي يعيش على وقع صراعاتٍ متفجّرة كما الحال في سورية وليبيا وفلسطين والعراق واليمن، بالإضافة إلى الملف النووي الإيراني الذي تفاقم على نحو خطير في العامين الماضيين، وبات يهدّد بنزاع إقليمي واسع.