سيسي البيت الأبيض
وقف ليندسي غراهام، رئيس وفد الكونغرس الأميركي، وعضو لجنة القوات المسلحة فيه، عقب لقائه عبد الفتاح السيسي، ليعلن أمام وسائل الإعلام في القاهرة: ندرك أنه نظام قمعي فاشل، لكننا ندعمه.
2- الثالث من أبريل/ نيسان 2017:
جلس الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عقب استقباله عبد الفتاح السيسي في واشنطن، ليعلن أمام الصحافيين: إننا نقف بقوة خلف السيسي.
نضحك على أنفسنا، كثيراً، حين نتوهم اختلافات جوهرية، بين الإدارات الأميركية، في الموقف من عبد الفتاح السيسي، ذلك أن انقلابه لم يكن ليقع من دون مباركة واشنطن، في عهد باراك أوباما، وإعطاء حلفائها الإقليميين إشارة التحرك لخنق تجربة حكم محمد مرسي، بكل أساليب الحرب القذرة.
في مثل هذا اليوم من العام الماضي، ولم يكن أوباما قد غادر الحكم، قلت تحت عنوان "بطة أميركية محشوة بالأرز للسيسي" "المفاجأة الوحيدة في تصريحات غراهام أن هناك من يعتبرها غريبةً أو مفاجئة، أو كان يتوقع غيرها من نائب جمهوري في ذروة اشتعال سباق انتخابات الرئاسة الأميركية، والتنافس المحموم على إرضاء اللوبي الصهيوني، من أجل الوصول إلى البيت الأبيض. نعم، وصل الحال بمصر أن أصبح نظام الحكم فيها جسراً أو قنطرةً للعبور إلى كسب ود إسرائيل، ومن ثم الحصول على تأييد اليمين واللوبي الصهيوني، المؤثر للغاية في حسم نتيجة انتخابات الرئاسة".
تقول لنا ذاكرة الأيام إن الثالث من أبريل/ نيسان يحمل دلالاتٍ عميقة فيما يخص العلاقات الأميركية العربية على مر التاريخ، ففي هذا اليوم من العام 2003 كانت قوات الغزو الأميركي في العراق تعلن للعرب إن الزمن الأميركي لا يقبل بوجود أمثال صدام حسين، ممن تراودهم أحلام التمرّد على قواميس، ونواميس التبعية والطاعة والإذعان، هم يسمحون فقط بأمثال حسني مبارك وعبد الفتاح السيسي، ومن لف لفهما، من الحكام العرب.
في الثالث من أبريل/ نيسان 1935، كانت شركة "ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا" تبدأ أعمال البحث والحفر عن النفط في الأراضي السعودية. وفي اليوم نفسه، بعد 68 عاما كان الأميركيون يعلنون السيطرة الكاملة على العراق، بنفطه ونخبه السياسية، ويعيدون هندسة المنطقة.
يشبه دونالد ترامب، كثيراً جداً، جورج بوش الابن، كلاهما مسكونٌ بالكراهية العنصرية، وملتصقٌ للغاية باليمين الصهيوني، وساهرٌ من أجل المصلحة الإسرائيلية، فيما يحاول عبد الفتاح السيسي أن يتشبه بأنور السادات، في وضعية سابق عصره، الجسور.
وإذا كان أنور السادات قد بنى بقاءه في السلطة على نظرية "99% من أوراق اللعبة في يد أميركا"، فإن السيسي يذهب إلى ما هو أبعد، فيضع 100% من القضية بعهدة دونالد ترامب، ويعلن نفسه جندياً مطيعاً، رهن الإشارة، من دون تفكير في الاجتهاد أو الخروج عن النص، وكما نطقت صورة العار التاريخي، فإنه ليس إلا فرداً في "إدارة المُستخٓدمين" في البيت الأبيض، يفعل ما يأمر به ترامب، يأكل خبزه ويشهر سيفه ويخوض معركته، في خدمة المشروع الأميركي الصهيوني.
هي لحظةٌ فارقةٌ في تاريخ مصر، مثلها مثل قفزة أنور السادات إلى الكنيسيت الإسرائيلي، ومنه إلى كامب ديفيد، معلناً الدخول في بيت الطاعة، على جناح "حمامة السلام"، حيث يتحدث السيسي في البيت الأبيض عن"صفقة القرن"، بما تحمله الكلمة من دلالاتٍ كارثية على القضية الفلسطينية التي لا تعدو كونها مساحة للعب مع واشنطن وتل أبيب، ولمصلحتهما بالأساس.
هم يدعمون السيسي، ويحافظون على بشار الأسد الذي التقط إشارة البيت الأبيض، سريعاً، وعرف أن أحداً لن يغضب من مجازره، ما دام يحقّق هدفهم في قتل شعب عربي انتفض قبل ست سنوات ضد التبعية والخضوع، وطلباً لحرية، من دونها تظل الأمم في رقود على بيض واشنطن وتل أبيب، حتى تفرخ كنوزاً استراتيجية، وأبطال سلام لا يعني سوى الاستسلام.
هنا من المهم أن يقرأ الأخوة في مشروع المقاومة الفلسطينية الرسالة جيداً، ويجيبوا عن السؤال: هل مثل السيسي يصلح للكلام عن القضية الفلسطينية، وباسمها؟
هل هناك عاقلٌ بقي عنده شك في أنه موظفهم المطيع؟!
مجدّداً، لا ينبغي أن نندهش من موقف الذين يقدّمون البط الأميركي محشواً بالأرز، ومتبلاً، إلى نظام هم يقرّون بأنه استبدادي دموي فاشل، لكنهم يريدونه، وطالما تريده "إسرائيل" فليستمر، على الرغم من أنف المبادئ والقيم، تماماً كما كانوا مع حسني مبارك حتى الرمق الأخير، لكنهم اضطروا صاغرين إلى تركه يسقط، عندما وجدوا شعباً قام من تحت الردم وعاد إلى الحياة.
لقد فعل السيسي في ثلاثة أعوام ما فعله السادات في عقد، وكما انتهى السادات ومبارك، سينتهي السيسي، بأسرع مما انتهوا.