08 نوفمبر 2024
شهداء "غزوة الخندق الصهيوني"
أي عار أكثر من ألّا يمتلك مسؤول مصري شجاعة الرد على رئيس الوزراء الصهيوني، حين يقول بملء الفم "إسرائيل ومصر في خندق واحد للحرب على الإرهاب".
قبل أن يعلنها نتنياهو صريحة فاضحة، كان الخطاب الصادر عن مليشيات عبد الفتاح السيسي الإعلامية قد حسم أمره، واختار الفلسطينيين، ومقاومتهم، متهما وحيداً في أحداث سيناء، مرددين في توقيت واحد: "الإرهاب هو فلسطين وحماس".
إذن، مطلوب من المصريين الآن أن يحزنوا ويدبجوا المرثيات في "شهداء معركة الخندق الإسرائيلي"، في الوقت الذي يصبح فيه التقاعس عن الرقص فوق جثث صفوة الأكاديميين المصريين الذين اغتالتهم قوات "تحالف خندق السيسي ونتنياهو" داخل شقة سكنية، يصبح خيانة للوطن.
إذن، يكدح الفلاح المصري، ويذوق العامل المصري المر، ويحرم الموظف المصري نفسه من كل شيء، كي يستطيع تدبير نفقات تعليم ابنه، حتى يتخرج ضابطاً، فيذهب للقتال، ويعود ملفوفا في علم مصر، وتقام له جنازة رسمية، واحتفاليات إعلامية كذوب، باستشهاده في الحرب مع إسرائيل، وليس ضد إسرائيل، حسب كيمياء الخندق الجديد، الواحد، بين الاحتلال والانقلاب.
نعم هي حرب، والمقتول فيها شهيد، لكنها أبداً لا يمكن أن تكون حرباً مقدسة.. الحرب المقدسة هي التي نخوضها ضد عدونا، وعدونا واحد ومعروف، ولن يتغير.. عدوّنا إسرائيل، وليس فجر ليبيا، وليس ثوار يناير، أو ثورة سورية وثورة اليمن، وليس مجموعة من الأكاديميين المرموقين، جلسوا في بيت، بعلم الجميع، لتدبير ما يقيم أود عائلات شهداء ومعتقلين، فجاءت قوات "الخندق غير المقدس"، وقتلتهم بدم بارد، ثم أمرت الشعب أن يحتفل بالجريمة.
إن الجنود والضباط الصغار، الذين فقدوا حياتهم، شهداء حقيقيون، لكنهم راحوا في معركة غير نظيفة، هي معركة من أجل السلطان، لا من أجل الوطن، حتى وإن أقنعوهم بأنهم ذاهبون للدفاع عن تراب الوطن.
هم شهداء معركة بين "تنظيم الدولة" و "دولة التنظيم" وبين "ولاية سيناء" و"مملكة السيسي" مصر فيها هي الضحية، هي "المهزوم"، حتى ولو أعلنوا انتصاره، وعلقوا الزينات ورددوا الأناشيد، فالثابت أن كلا من "التنظيم الإرهابي" و"النظام الدموي" وجهان لعملة واحدة، لا يستطيع أحدهما البقاء، من دون وجود الآخر. وبهذا، سيكون يوماً كئيباً في حياة عبد الفتاح السيسي، لو أعلن "تنظيم الدولة" إلقاء السلاح، وإنهاء نشاطه، كما أنه لن يكون خبراً سعيداً للأخير، لو أن مصر تحررت من استبداد السيسي وفاشيته ودمويته وفشله، واستعادت حلمها الذي ولد في "يناير"، ودفن حيا في "يونيو"، فكلاهما يتغذى على الآخر، ويستمد مبرر بقائه منه.
هما أيضا في خندق واحد، يتقاسمان دماءنا وحلمنا، يتصارعان علينا، لا من أجلنا، وبعد كل جولة، يلتقيان، يحتفلان على إيقاع واحد "صليل الصوارم"، لا فرق بين "صوارم العسكر" و"صوارم داعش"، لا مشكلة بينهما، ولا يشكل وجودهما قلقاً لمن يديرون العالم، وفق هذه المعادلة الثنائية، أفيال تصارع وحوشاً، فيموت العشب والبشر والكائنات الصغيرة، هذا ما يجري في العراق وفي سورية، ويراد له أن يفتتح فرعا في مصر وفي ليبيا.
لا تصدق أن أميركا، وإسرائيل، وأوروبا، لا تفضل "دواعش التنظيمات ودواعش الأنظمة"، بل تريدهما يؤديان المهمة حتى آخر ورقة خضراء في ربيع العرب، ذلك الربيع "الوغد" الذي أزعج إسرائيل وأثار مخاوفها من جيل جديد، فهم "الحدوتة" كما رواها آباء وأجداد، لم يلوثهم قطران الخندق الجديد "خندق نتنياهو والسيسي". وحين قتلوا له جنودا في رمضان 2011، توجه فورا إلى "كوبري الجامعة" بالجيزة، وتسلق حوائط سفارة العدو، وأنزل العلم، وأحرقه، ومن يومها قرروا إشعال النار في الربيع، وجمهور الربيع.
تلك هي القصة، عدونا في "عمارة كوبري الجامعة"، لا في "شقة 6 أكتوبر".