صحافيون بلا أخلاق مهنية
لو أن هناك هيئة قانونية متخصصة تتابع عمل وسائل الإعلام العربية، لحكمت بإغلاق عدد كبير من المواقع والصحف ومحطات التلفزة، بسبب الأخطاء التي يتم ارتكابها، والتعدّيات التي تجري على قواعد المهنة والمهنية. وعلى الرغم من التقدم الملموس الذي حققته وسائل الإعلام العربية على مستوى توظيف التقنية والوسائل الحديثة، للوصول إلى قطاع واسع من الرأي العام، إلا أن هناك عطباً أساسياً يكمن في ممارسة المهنة التي لا يفرّق بعض من يعيشون منها بين الكتابة والمصارعة الحرة، ولذلك يكتب هؤلاء وكأنهم يصارعون ولا يتكلمون إلى رأي عام، يريد أن يقرأ لهم، لا أن يتفرّج على عرض عضلاتهم.
وإذا أردنا أن نخفّف من قسوة الأحكام على الصحافة، ونتجاوز الأخطاء المهنية، فإن ما لا يمكن السكوت عنه هو الجرائم التي يتم ارتكابها كل يوم باسم حرية الرأي وحق التعبير. وهنا يجري التجاوز والتطاول على الآخرين، أفراداً كانوا أم مؤسسات، نظراً إلى غياب قوانين تردع الجنوح الذي يقوم به صحافيون، يعملون في منابر ذات مواصفات دولية، مكّنتهم من سمعة وشهرة يجري توظيفهما في المكان الخطأ، بالتعدّي والتطاول على الآخرين. ولو أن هؤلاء الصحافيين اتبعوا أساليب الحوار، لكانوا استحقوا كل تقدير واحترام، ولكنهم يصرّون على قلة الأدب.
ومن يهدّد الصحافيين الآخرين بـ"السحق بالأحذية"، لأنهم كما يصفهم "ملاحدة"، لا يختلف عن حكّام مارسوا قتل صحافيين بالرصاص من أجل إسكات صوت الكلمة. وهذا الصحافي الذي يخاطب زملاء المهنة بهذه اللغة لا يستحق شرف حمل القلم أو الجلوس على منصة تلفزية يحاور شخصيات رأي عام عن تجاربها الإنسانية والسياسية، بل يجب أن يتم تجريده من هذا الامتياز الذي لا يحقّ لأحد حمله غير الذين يؤمنون بأن مهنة الصحافة سامية، وتعلو على الحساسيات الذاتية، وشرطها الأول والأخير التحلي بأخلاق رفيعة، تضع الصحافي على قدم المساواة مع صناع المصير الإنساني، والمدافعين بلا هوادة أو شرط عن الحق العام.
ومن ناحيتي، أترفع عن الرد على الذي يهدّدني بالسحق، ولكني لن أتنازل عن حقي في أن أقاضيه أمام المحاكم الدولية المختصة بالدفاع عن حقوق الإنسان، وعن حياة الصحافيين وكرامتهم. وإذا كان هذا النمط من الإعلاميين الذين وصلوا إلى مواقع متقدمة في بعض وسائل الإعلام يظن أنه فوق القانون فهو واهم. ومثلما يخاف جنرالاتٌ كثيرون ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية من السفر إلى بعض بلدان أوروبا، فعلى هؤلاء أن يعرفوا أن هناك تشريعات تطاولهم وتقتصّ منهم عاجلاً أم آجلاً.
وتبقى هناك مسؤولية تقع على وسائل الإعلام التي تفتح منابرها لهذا النمط من الإعلامي البلطجي، الذي يسيء إلى مصداقيتها، حتى لو كانت جماهيريته تملأ الدنيا وتشغل الناس. وفي عالم المهنية، لا يجري النظر إلى هذا النوع من الصحافيين باحترام.
وفي نهاية الأمر، إن انتصار أي قضية هو في قوة حمولتها الأخلاقية، ومصداقيتها في نظر الرأي العام، وحين يتكلم صحافي بلا أخلاقٍ باسمها، فإنها تخسر من رصيدها وتفقد من احترامها. ومن واجب كل غيور على قضايا الناس التي تتعرّض اليوم للتصفية من تحالف أعداء الحرية أن يقاطع هذا النوع من الصحافيين الذين يقفون في الصف المضاد لقضايا الحرية والعدالة وأخلاق المهنة وشرفها.
الصحافي الذي لم يقف إلى جانب العدالة في قضية جمال خاشقجي، والتضامن مع زملاء المهنة المساجين في السجون العربية من مصر إلى الإمارات والسعودية وسورية، لا يفقد الشرف المهني فحسب، بل الأخلاق والضمير أيضاً.