طالبان والنساء ... في انتظار المعجزة
ردود أفعال دولية غاضبة تردّدت في الأيام الماضية، عقب القرارات المتعاقبة لحركة طالبان ضد النساء. أعادت الحركة التي تحكم أفغانستان منذ أغسطس/ آب 2021، كما هو متوقع، نسختها السابقة من الحكم بسرعة. رغماً عن التطمينات التي أطلقتها في الأيام الأولى للحكم، ففي المؤتمر الصحافي الأول عقب سقوط كابول، أعلن المتحدث الرسمي باسم الحركة، ذبيح الله مجاهد، أنهم سيحترمون حرية الصحافة وحقوق المرأة. كانت التصريحات الأولية مريحة للإدارة الأميركية وللمجتمع الدولي. وبدأ ترويج فرضية أن "طالبان" الجديدة لن تكون هي النظام الوحشي السابق نفسه. كان النظام الأميركي محتاجاً لهذه التطمينات، بعد الكوارث التي ارتكبها في أفغانستان، من الغزو الوحشي ثم الانسحاب السريع الذي ترك البلاد مفتوحة أمام الحركة المتطرّفة.
ولكن كيف يمكن الوفاء بوعودٍ كالتي أطلقها ذبيح الله مجاهد؟ هذا أمر يعارض أفكار الحركة الجهادية وفلسفتها. لذلك لم يمرّ عام قبل أن تبدأ أوضاع النساء في التراجع. واليوم، بعد أقل من عام ونصف العام من الحكم، وبعد منع التعليمين، المدرسي، والجامعي، منعت حركة طالبان النساء من العمل!
انتشرت، في أغسطس/ آب 2021، صور لفوضى في مطار كابول مع انسحاب القوات الأميركية. مئات الأفغان يجرون خلف الطائرات المغادرة، ويتعلقون بأجنحتها وقوائمها. لسببٍ ما بدا هذا المشهد المروّع مضحكاً ومحبباً لدى إسلاميين وقوميين ويساريين. قالوا إنها نهاية من يعاون الاستعمار. وبشكل ما قارنوه مع صور إخلاء السفارة الأميركية في سايغون في فيتنام عام 1975.
لكن الأيام أثبتت أن الذين اقتحموا ممرّ الطيران في ذلك اليوم، والذين سقطوا عن أجنحة الطائرات المحلقة، والأفغاني المجهول الذي عثرت السلطات الأميركية على جثته داخل مقصورة معدّات الهبوط في طائرة عسكرية، كل هؤلاء كانوا يفضلون الموت على الحياة مرة أخرى تحت حكم طالبان.
في روايته "لا تقولي إنك خائفة"، يصوّر الإيطالي جوزبه كاتوتسيلا رحلة الموت التي يقطعها الفارّون من أفريقيا إلى شواطئ أوروبا عبر المتوسط. هل كان المتعلّقون بالطائرات الأميركية في مطار كابول يختلفون عن هؤلاء؟ النساء الأفغانيات اللائي مُنعن من التعليم ومن العمل، ولا يعلمن قائمة الممنوعات الجديدة التي تنتظرهن، أما كان قرار من تعلقن منهن بالطائرات يومها ينبئ بما يحدث اليوم؟ لكن العالم وقتها لم يكن مهتماً بما سيحدُث للأفغانيات. كان صراع الأيديولوجيا أهم، وهزيمة العملاق الأميركي الذي نزف أموالاً كثيرة في أفغانستان أوْلى. وقدّمت "طالبان" تطمينات تبرّر للعالم صمته عمّا كنا نعلم جميعاً أنه قادم.
ربما فتاة وحيدة تكلّمت بصوت مسموع. وهي الباكستانية ملالا يوسف زاي، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، التي طالبت العالم بالتدخّل لضمان حقوق النساء والأقليات مع دخول قوات "طالبان" كابول. إنها تعرف "طالبان" جيداً، ففي عام 2012، أطلقت "طالبان باكستان" عليها الرصاص لأنها تذهب إلى المدرسة. لم تنس جراحها، وتعلم أن قاتلها لم يترك سلاحه ولا أفكاره.
أعلن وزير التعليم العالي في حكومة طالبان أنهم لن يتراجعوا عن قراراتهم الخاصة بالنساء "ولو ألقوا علينا قنبلة ذرّية". هذا رجل مستعد للموت حتى لا يُسمح للنساء بالتعليم والعمل. ومؤكّد أن العالم لن يلقي عليه قنبلة. لذلك المعركة هي معركة الأفغانيات، اللائي بدأن، ربما لأول مرة، في تنظيم مظاهراتٍ ضد قرارات حركة طالبان فواجهت هذه هتافهن بالرصاص.
مع منع التعليم والعمل، والإلزام بالحجاب الكامل، وتقييد حق السفر، والإجبار على البقاء في البيوت، تواجه نساء أفغانستان مرّة أخرى الكابوس الذي عشنه عقوداً طويلة في ظل حكومات المجاهدين. ولا يأمل المرء كثيراً في قوة الحراك المدني الذي يتشكل الآن، فآخر ما يمكن توقعه أن يرضخ مقاتل مسلح لمظاهرة نسائية تطالب بما يعتبره خروجاً عن الدين. رغم ذلك، الأمل دوماً معقودٌ على إصرار المطالبين بالحقوق، فمن يدري، قد تحدُث المعجزة.