09 نوفمبر 2024
ظريف والأسد.. الاستقالة والزيارة
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
اختار وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، لحظة هامة، كي يقدم استقالته من منصبه، وهي زيارة الرئيس السوري، بشار الأسد، طهران يوم الإثنين الماضي. ولم يُخف الوزير سبب الاستقالة، بل صرّح لموقع "انتخاب" الإلكتروني، المحسوب على الإصلاحيين: "بعد انتشار صور لقاءات اليوم (لقاءات الأسد)، ليست لجواد ظريف مصداقية كوزير خارجية في العالم"، وأوضح، في تصريح آخر: "استقالتي جاءت للدفاع عن مكانة الوزارة ودورها الحيوي في تعزيز الأمن القومي للبلاد".
يمكن القول إن ظريف فضح النظام الإيراني، والآلية التي يعمل بها، وخرج، عمدا، عن القواعد المتبعة في الدولة، بسبب شعور بجرح في الكرامة، نتيجة عدم دعوته إلى حضور الاجتماع مع الأسد، وهذا يعني، بشكل صريح، أن انخراط إيران في الشأن السوري لا يقع ضمن نطاق عمل وزارة الخارجية، وينسحب الأمر ذاته على الملفات الأخرى التي تتدخل إيران فيها بقوة، مثل لبنان والعراق واليمن.
يعرف العالم أن وزارة الخارجية والوزير ليسا من الدائرة الضيقة التي تقرّر شؤون السياسة الخارجية، ويُدرك العالم أن الوزير والوزارة ينفذان سياساتٍ تضعها دائرة أخرى، تقع تحت سلطة المرشد الأعلى، علي خامنئي، ويعرف العالم أيضا أن مقام الرئيس والرئاسة ذو سلطة شكلية، حين يتعلق الأمر بالمسائل الاستراتيجية، ولكن الجديد أن شاهداً من أهله جاء ليبصم على هذه الحقائق، ويقول بصراحةٍ إن مؤسسات الدولة مهمشة ولا دور لها، ومن يحكم البلد هو المرشد وجهاز حرس الثورة. ولذلك، اقتصر الاجتماع الفعلي بين الأسد والمرشد على جهاز الأمن القومي، وضم الاجتماع الثاني بين روحاني والأسد قاسم سليماني.
توقيت الاستقالة وسياقها يعكسان وضعاً داخلياً لا يحمل إجماعاً حول سورية، كما تصوّره آلة الدعاية الإيرانية. ويبدو أن الخلافات في وجهات النظر وصلت إلى نقطة حرجة، جاءت الاستقالة كي تقدمها في صورة علنية. ومن هنا، لن تقف تداعيات هذه الاستقالة عند هذا الحد، وهي مرشّحةٌ للتفاعل في المدى المنظور.
حين خرجت التظاهرات الاحتجاجية في المدن الإيرانية في أكثر من مناسبة، خلال العامين الماضيين، كان المتظاهرون يرفعون شعاراتٍ تندّد بالتدخل الإيراني في سورية، وعكست الشعارات حالةً من الاحتقان في الشارع، وصار واضحاً أن هناك قطاعات إيرانية ترفض المغامرات الخارجية التي تكلف البلد الكثير، فعلاوةً على تبديد الثروة، للدفاع عن نظام فاسد ومجرم، ولا مستقبل له، في سورية، فإنها وضعت إيران في عزلةٍ دوليةٍ، ودفع المواطن الإيراني من قوته اليومي بسبب الحصار، وهو يدرك أن التدخلات التي تقوم بها المؤسسة العسكرية في بلدانٍ أخرى لن تكون ذات نفع للشعب الإيراني، وهو غير معنيٍّ بها، ولا تهمّه مسألة هيمنة إيران على أربعة بلدان عربية.
ليست استقالة ظريف سوى نقطة البداية في صراع داخلي، وصل إلى قمة الحكم، وما كان لوزير الخارجية أن يرفع صوته عالياً، لو لم يكن واثقاً من أن هناك تياراً عريضاً يقف وراءه. وانعكس ذلك من خلال رفض الرئيس حسن روحاني الاستقالة، وتوقيع 135 نائباً وثيقةً يطالبون فيها الوزير بالعودة عن الاستقالة. وهذا يعني أن هذا الجناح سجل هدفاً في مرمى الاتجاه الآخر الذي يمثله قاسم سليماني، بوصفه مهندس المغامرات العسكرية الخارجية التي يقف وراءها المرشد الأعلى. وقد لا تُحسم المواجهة بين عشيةٍ وضحاها، ولكنها باتت مفتوحةً في وقتٍ تعيش إيران حصاراً اقتصادياً خانقاً، ويمكن لها أن تتطوّر، وتأخذ أبعاداً أوسع تبعاً لآثار الحصار.
يتبيّن يوماً بعد آخر أن تدخلات إيران الخارجية في المنطقة العربية ستكون وبالاً على إيران نفسها، وأن نصيبها من الأضرار ليس أقلّ من البلدان التي دفعت الثمن غالياً.
يمكن القول إن ظريف فضح النظام الإيراني، والآلية التي يعمل بها، وخرج، عمدا، عن القواعد المتبعة في الدولة، بسبب شعور بجرح في الكرامة، نتيجة عدم دعوته إلى حضور الاجتماع مع الأسد، وهذا يعني، بشكل صريح، أن انخراط إيران في الشأن السوري لا يقع ضمن نطاق عمل وزارة الخارجية، وينسحب الأمر ذاته على الملفات الأخرى التي تتدخل إيران فيها بقوة، مثل لبنان والعراق واليمن.
يعرف العالم أن وزارة الخارجية والوزير ليسا من الدائرة الضيقة التي تقرّر شؤون السياسة الخارجية، ويُدرك العالم أن الوزير والوزارة ينفذان سياساتٍ تضعها دائرة أخرى، تقع تحت سلطة المرشد الأعلى، علي خامنئي، ويعرف العالم أيضا أن مقام الرئيس والرئاسة ذو سلطة شكلية، حين يتعلق الأمر بالمسائل الاستراتيجية، ولكن الجديد أن شاهداً من أهله جاء ليبصم على هذه الحقائق، ويقول بصراحةٍ إن مؤسسات الدولة مهمشة ولا دور لها، ومن يحكم البلد هو المرشد وجهاز حرس الثورة. ولذلك، اقتصر الاجتماع الفعلي بين الأسد والمرشد على جهاز الأمن القومي، وضم الاجتماع الثاني بين روحاني والأسد قاسم سليماني.
توقيت الاستقالة وسياقها يعكسان وضعاً داخلياً لا يحمل إجماعاً حول سورية، كما تصوّره آلة الدعاية الإيرانية. ويبدو أن الخلافات في وجهات النظر وصلت إلى نقطة حرجة، جاءت الاستقالة كي تقدمها في صورة علنية. ومن هنا، لن تقف تداعيات هذه الاستقالة عند هذا الحد، وهي مرشّحةٌ للتفاعل في المدى المنظور.
حين خرجت التظاهرات الاحتجاجية في المدن الإيرانية في أكثر من مناسبة، خلال العامين الماضيين، كان المتظاهرون يرفعون شعاراتٍ تندّد بالتدخل الإيراني في سورية، وعكست الشعارات حالةً من الاحتقان في الشارع، وصار واضحاً أن هناك قطاعات إيرانية ترفض المغامرات الخارجية التي تكلف البلد الكثير، فعلاوةً على تبديد الثروة، للدفاع عن نظام فاسد ومجرم، ولا مستقبل له، في سورية، فإنها وضعت إيران في عزلةٍ دوليةٍ، ودفع المواطن الإيراني من قوته اليومي بسبب الحصار، وهو يدرك أن التدخلات التي تقوم بها المؤسسة العسكرية في بلدانٍ أخرى لن تكون ذات نفع للشعب الإيراني، وهو غير معنيٍّ بها، ولا تهمّه مسألة هيمنة إيران على أربعة بلدان عربية.
ليست استقالة ظريف سوى نقطة البداية في صراع داخلي، وصل إلى قمة الحكم، وما كان لوزير الخارجية أن يرفع صوته عالياً، لو لم يكن واثقاً من أن هناك تياراً عريضاً يقف وراءه. وانعكس ذلك من خلال رفض الرئيس حسن روحاني الاستقالة، وتوقيع 135 نائباً وثيقةً يطالبون فيها الوزير بالعودة عن الاستقالة. وهذا يعني أن هذا الجناح سجل هدفاً في مرمى الاتجاه الآخر الذي يمثله قاسم سليماني، بوصفه مهندس المغامرات العسكرية الخارجية التي يقف وراءها المرشد الأعلى. وقد لا تُحسم المواجهة بين عشيةٍ وضحاها، ولكنها باتت مفتوحةً في وقتٍ تعيش إيران حصاراً اقتصادياً خانقاً، ويمكن لها أن تتطوّر، وتأخذ أبعاداً أوسع تبعاً لآثار الحصار.
يتبيّن يوماً بعد آخر أن تدخلات إيران الخارجية في المنطقة العربية ستكون وبالاً على إيران نفسها، وأن نصيبها من الأضرار ليس أقلّ من البلدان التي دفعت الثمن غالياً.
دلالات
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
02 نوفمبر 2024
26 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024