عالم عربي يغرق
بات العالم العربي مصدرا لأخبار الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية، التي تخلف ضحايا بشرية بأعداد كبيرة، ودمارا واسعا في العمران والبنى التحتية. وخلال أيام غير متباعدة في الشهرين الماضيين، حصل زلزال مدمّر في المغرب، واجتاح فيضان مدينة درنة في ليبيا، والتهم حريق صالة أفراح في العراق، بالإضافة إلى استمرار الحروب المفتوحة في السودان واليمن وسورية، وارتفاع ملحوظ في عدد قوارب مهاجرين من تونس ولبنان ومصر يبتلعهم البحر، وهم يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط نحو أوروبا، هربا من الأوضاع المعيشية المزرية التي تتسع دوائرها، لتشمل أوسع الفئات.
لا يبدو في الأفق أي أملٍ في أن تتوقف عجلة الانهيار التي تسير بسرعة كبيرة في أكثر من بلد عربي، وليس هناك أي محاولةٍ داخليةٍ أو خارجيةٍ جادّة من أجل البحث عن حلول، بل على العكس، هناك حالة عامة من عدم الاكتراث، غير مسبوقة، وها هي البلدان العربية تقف متفرّجة أمام سقوط دولة مثل السودان، كما سبق لها أن تركت سورية تذهب نحو مصير مأساوي، ولم تعد مهتمة بالشأن السوري، الذي تحضر فيه كل من روسيا، إيران، إسرائيل، وتركيا، باستثناء الدول العربية التي كانت قادرة أن تمنع وصول الموقف إلى هذه الحالة، مثلما في وسعها اليوم المساعدة في إنقاذ تونس من السقوط في دوامة الفشل التي يقود البلد إليها رئيسٌ يعاني من فصام شديد مع الواقع.
يبدو أن الجهات الدولية المعنية بدأت تيأس من الحالة العامة، وهذا ملحوظٌ على صعيد تقديم مساعدات عاجلة إلى المحتاجين من العرب. وعبرت خلال الأعوام الأخيرة عن عدم قدرتها على الوفاء بالمتطلبات، وصارت تخفّض المساعدات الدولية للاجئين السوريين، بحجّة تراجع تبرّعات الدول المانحة، وارتفاع عدد طالبي المساعدة عبر العالم. ولذلك، لم يطرأ أي تغير ملموس نحو الأفضل في أوضاع مئات الآلاف من المهجرين إلى شمال غرب سورية، الذين يعيشون في مخيّمات عشوائية، تفتقر لأبسط مقوّمات الحياة، من مساكن لائقة، صحّة، مياة صالحة للشراب، مدارس... إلخ. وعلى هذا الأساس، حتى لو حاولت جهاتٌ دوليةٌ زيادة المساعدات، فذلك لا يقدّم حلولا شافية لبلدان قادرة على مساعدة نفسها، لو أن المسؤولين عن شؤونها يتحلّون بقدر معقول من المسؤولية.
باستثناء الكوارث الطبيعية، يتطلب إيجاد حلول العودة إلى جذور جميع المشكلات، حيث تتحمّل السلطات الحاكمة مسؤولية ما يحصل، من فيضانات وحرائق وهروب وهجرات عبر البحار، وفي كل الحوادث التي حصلت، أخيرا، كان غياب الدولة، والصراع على الحكم وسوء إدارة الموارد، العنوان الأساسي للانهيار. ولا يتعلق الأمر هنا بالحكم الديمقراطي من عدمه، بل في عدم الكفاءة في إدارة شؤون البلد، وقد أدّى التقصير في ليبيا عن مراقبة السدود إلى انهيارها، كما أن سوء البناء في العراق وانعدام النزاهة الحكومية هو السبب وراء حريق الحمدانية. وفي السودان، تسبّبت حرب العسكر والمليشيات في تحويل الخرطوم إلى مدينة غير صالحة للحياة، وتشريد الملايين من بيوتهم وانعدام أبسط الخدمات، وهي تعد بتدمير ما بقي، وتحويل هذا البلد إلى سورية ثانية، شعبها مهجّر، ومدنها مدمّرة بلا خدماتٍ أساسية، يفتك بها المرض والجوع، ويبحث الناجون من الموت عن سبلٍ للهرب، حتى لو كان طريق الموت في البحر، بينما يرفض رئيس النظام، بشّار الأسد، عودة عدة ملايين من الذين هجّرهم بالقوة من بيوتهم في عدّة مدن سورية، بما في ذلك العاصمة. والمطلوب هنا ليس زيادة عدد الخيام، بل حلّ سياسي، يتم فرضه بالقوة من أجل وضع حدّ للمأساة، والأمر ذاته ينطبق على ليبيا والسودان واليمن.