25 اغسطس 2024
عالَم زياد الرحباني
سبق أن عبرتُ، في هذا المكان من صحيفة "العربي الجديد"، عن إعجابي بعالَم زياد الرحباني الفني. إنه عالَمٌ كبير، وغني، ومتنوع، وطريف، وفكه. دَعْكَ من آرائه السياسية المضطربة، فهو متصالحٌ مع بعض الأنظمة والشخصيات الديكتاتورية، وهذا مؤسف بالطبع، ولكنَّ ما يميز زياد عن غيره من الشخصيات العامة في الوطن العربي، برأيي، صراحتُه المتناهية في قول ما يعتقده خلال اللحظة التي يتحدث فيها، سواء أكان ما يقوله صائباً وسارّاً، أو يعود بشيء من الغضاضة على أناسٍ آخرين. وكذلك لا توجد لديه مشكلة في أن يغير رأيه، بين مقابلةٍ وأخرى، فهو ليس من النوع الذي يتمترس وراء أيديولوجية متخشبة.
حينما يكون لديَّ وقت، ونفسية رائقة، أدخل إلى "يوتيوب"، وأشاهد ما يطلع في طريقي من مقابلاتٍ أجرتها محطات مختلفة مع زياد. أشاهدها أول مرة، وأحياناً للمرة الثانية، أو الثالثة، وبكثير من المتعة.. وقد لاحظتُ أن زياد، من كثرة المقابلات التي يجريها، يخطئ في بعض التواريخ، مثلما حصل مع الحكاية التي رواها ضمن سلسلته الإذاعية "العقل زينة" عن محاولته التطوعَ في "الكتائب"، فقال ما معناهُ إنه، في سنة 1960، وهو في سن البلوغ، صوته مخشوشن ووجهه محبحب، قرّر أن يتطوع في "الكتائب"، وإذ طرح الفكرة على والده لم يكترث لكلامه، ولكنه أصر، وفي المساء قابله، وأظهر له تصميمه على التطوّع، طالباً منه الموافقة لأنه هو الذي علمه معنى الوطن، فقال له عاصي ما معناه تضرب أنت والوطن. (ملاحظة: واضح أن التاريخ المقصود 1970 وليس 1960، لأن زياد مولود سنة 1956)..
نستنتج من هذه الحوارية أن عاصي لم يكن يريد أن يبتعد عنه ابنُه الوحيد، أو لعله كان يريد له أن يَمضي في كتابة الشعر، والعزف، والتلحين، سيما وأن زياد كان يعزف، وهو في الرابعة، على البيانو بإصبع واحدة. وذات مرة سمع منه عاصي لحناً فطلب منه أن يعيده، فلما أعاده جلس عاصي يسجله وينوطه.. وفي الثمانينات، أبدع زياد أغنية "أنا كان لازم ودّعكن"، واستخدم ذلك اللحن في المقطع الذي تقول فيه فيروز: بكرا برجع بوقف معكن، إذا مش بكرا الـ بعدو أكيد، إنتوا احكوني وأنا بسمعكن، حتى لو للصوت بعيد.
في سنة 1972، وزياد في سن الـ 16، كانت السيدة فيروز تتمرّن على دورها وأغانيها في مسرحية "المحطة"، وإذا بعاصي يُصاب بنزيف دماغي، ويُحمل إلى المشفى على جناح السرعة. يروي زياد، في إحدى مقابلاته، الحكاية الكاملة لأول أغنية لَحَّنَها لفيروز، وهي "سألوني الناس" يقول إنه لحنها أصلاً لمروان محفوظ، ولكن عمّه منصور طلب منه تحويلها وعرضها ضمن المسرحية، لتكون تحيةً لعاصي من فيروز والفريق كله، وهذا ما كان، إذ وضع منصور كلمات الأغنية على اللحن، والعم "إلياس" أجرى لها التوزيع، وغنتها فيروز، وكان صداها كبيراً.
في مقابلة أخرى، يتحدث زياد عن لهوه وانشغاله بالموسيقى والتلحين عن دروسه في البكالوريا الثانية، وقد علم عاصي بالأمر، بعد تماثله للشفاء، وأخبره بأنه سيرسل صديقاً له اسمه عبد الأمير عبد الله ليساعده في الامتحان. قال زياد: لكن أنا ما بعرفه. قال عاصي: وهوّ كمان ما بيعرفك، إنما بيحسن يتعرف عليك، والمطلوب منك لما بيدخل هاد الرجل لقاعة الامتحان وبيقول جملة معينة أنك ترد عليه، ووقتها بيعرفك. وحينما حضر الرجل عبد الأمير إلى المركز، دخل إحدى القاعات وغنى: سألوني الناس. لم يرد عليه أحد، دخل القاعة الثانية وكرر غناء المقطع، وفي الثالثة كان زياد موجوداً، وبمجرد ما قال سألوني الناس، رد عليه زياد: عنك يا حبيبي. فتقدم منه وقال له: خلص بيكفي، ما في داعي تغنّي الكوبليه كله..
حينما يكون لديَّ وقت، ونفسية رائقة، أدخل إلى "يوتيوب"، وأشاهد ما يطلع في طريقي من مقابلاتٍ أجرتها محطات مختلفة مع زياد. أشاهدها أول مرة، وأحياناً للمرة الثانية، أو الثالثة، وبكثير من المتعة.. وقد لاحظتُ أن زياد، من كثرة المقابلات التي يجريها، يخطئ في بعض التواريخ، مثلما حصل مع الحكاية التي رواها ضمن سلسلته الإذاعية "العقل زينة" عن محاولته التطوعَ في "الكتائب"، فقال ما معناهُ إنه، في سنة 1960، وهو في سن البلوغ، صوته مخشوشن ووجهه محبحب، قرّر أن يتطوع في "الكتائب"، وإذ طرح الفكرة على والده لم يكترث لكلامه، ولكنه أصر، وفي المساء قابله، وأظهر له تصميمه على التطوّع، طالباً منه الموافقة لأنه هو الذي علمه معنى الوطن، فقال له عاصي ما معناه تضرب أنت والوطن. (ملاحظة: واضح أن التاريخ المقصود 1970 وليس 1960، لأن زياد مولود سنة 1956)..
نستنتج من هذه الحوارية أن عاصي لم يكن يريد أن يبتعد عنه ابنُه الوحيد، أو لعله كان يريد له أن يَمضي في كتابة الشعر، والعزف، والتلحين، سيما وأن زياد كان يعزف، وهو في الرابعة، على البيانو بإصبع واحدة. وذات مرة سمع منه عاصي لحناً فطلب منه أن يعيده، فلما أعاده جلس عاصي يسجله وينوطه.. وفي الثمانينات، أبدع زياد أغنية "أنا كان لازم ودّعكن"، واستخدم ذلك اللحن في المقطع الذي تقول فيه فيروز: بكرا برجع بوقف معكن، إذا مش بكرا الـ بعدو أكيد، إنتوا احكوني وأنا بسمعكن، حتى لو للصوت بعيد.
في سنة 1972، وزياد في سن الـ 16، كانت السيدة فيروز تتمرّن على دورها وأغانيها في مسرحية "المحطة"، وإذا بعاصي يُصاب بنزيف دماغي، ويُحمل إلى المشفى على جناح السرعة. يروي زياد، في إحدى مقابلاته، الحكاية الكاملة لأول أغنية لَحَّنَها لفيروز، وهي "سألوني الناس" يقول إنه لحنها أصلاً لمروان محفوظ، ولكن عمّه منصور طلب منه تحويلها وعرضها ضمن المسرحية، لتكون تحيةً لعاصي من فيروز والفريق كله، وهذا ما كان، إذ وضع منصور كلمات الأغنية على اللحن، والعم "إلياس" أجرى لها التوزيع، وغنتها فيروز، وكان صداها كبيراً.
في مقابلة أخرى، يتحدث زياد عن لهوه وانشغاله بالموسيقى والتلحين عن دروسه في البكالوريا الثانية، وقد علم عاصي بالأمر، بعد تماثله للشفاء، وأخبره بأنه سيرسل صديقاً له اسمه عبد الأمير عبد الله ليساعده في الامتحان. قال زياد: لكن أنا ما بعرفه. قال عاصي: وهوّ كمان ما بيعرفك، إنما بيحسن يتعرف عليك، والمطلوب منك لما بيدخل هاد الرجل لقاعة الامتحان وبيقول جملة معينة أنك ترد عليه، ووقتها بيعرفك. وحينما حضر الرجل عبد الأمير إلى المركز، دخل إحدى القاعات وغنى: سألوني الناس. لم يرد عليه أحد، دخل القاعة الثانية وكرر غناء المقطع، وفي الثالثة كان زياد موجوداً، وبمجرد ما قال سألوني الناس، رد عليه زياد: عنك يا حبيبي. فتقدم منه وقال له: خلص بيكفي، ما في داعي تغنّي الكوبليه كله..