عماد حجّاج بمناسبة جائزة مستحقّة
هناك، في نيودلهي قبل نحو عام، رفعَت نسوةٌ تظاهرْن تنديدا بقتل المحتلّ الإسرائيلي شيرين أبو عاقلة رسم كاريكاتير للزميل عماد حجّاج عن الجريمة نُشر في "العربي الجديد". وغير مرّةٍ منذ أزيد من عامين، اختارت صحيفة لوموند الفرنسية رسوما للفنّان المعروف ونشرتها في صفحتها الأولى، عن المسؤولين السرّاق في لبنان، عن الغزو الروسي أوكرانيا، عن إطلاق نار في مدرسة في تكساس ... إلخ. والموقع الهولندي "CARTOON MOVMENT"، وهو من أهم منصّات الكاريكاتير الأوروبية والعالمية يُداوم على نشر رسومٍ من حجّاج، في غير شأن (القتال في السودان أخيرا، مثلا)، لتجتمع مع نتاجات رسّامي كاريكاتير محترفين من جميع العالم، وهو يهدف إلى تعزيز الرسوم الكاريكاتيرية التحريرية المهنيّة والدفاع عن حرية التعبير. وقبل أيام، تنتقي الجمعية الدولية التي تأتلف فيها شبكةٌ من رسّامي الكاريكاتير الصحافيين "Cartooning for Peace" (مقرّها باريس ويموّلها الاتحاد الأوروبي) رسوما معدودة عن الاقتتال في السودان، فيكون واحدٌ منها مما تألّق زميلنا في رسمِه عن هذا المستجدّ. وقبل أسابيع، مُنح رسمُ حجّاج عن قتل الأميركي جورج فلويد جائزة المركز الثالث في مسابقة بينالي السخرية الكوبي عن فئة الكاريكاتير السياسي. وقبله وصل رسمٌ عن اللاجئين إلى القائمة القصيرة لترشيحات جائزة الكاريكاتير الأوروبية. وكان صاحِبُنا قد نال في 2012 جائزة ملتقى مونبيلييه للكاريكاتير العالمي في فرنسا. وشاركت رسوماتٌ عديدةٌ له في معارض ومهرجاناتٍ دوليةٍ وعربيةٍ عديدة، منها في فرنسا وبريطانيا والمغرب وتونس.
إذن، حقّ، باعتبار ما سبق وغيره مثله، وصفُ عماد حجّاج فنانَ كاريكاتير عالميا. وإذ يجرى التشديد على شرط وفاء الفنان لمحليّته ومحيطِه وبيئتِه وفضائه، ليُجاز خلعُ هذه الصفة عليه، فإنّ رسوم صديقنا، منذ شقّت سبيلَها إلى النشر في صحفٍ أردنيةٍ وعربيةٍ، تعدّ، في واحدٍ من وجوهٍ عديدة لها، سجلّا تصويريا ناقدا لأحوالٍ عربيةٍ (ومنها أردنية) بلا عددٍ في العقود الثلاثة الماضية، ومناهضا للتسلّط والفساد والدكتاتوريات والزيف السياسي، ومرتبطا بقضايا العرب كلها، وفي مقدّمتها قضية فلسطين، وبأشواق الشعوب العربية نحو الحرّية والعدالة. وفي هذا كله وغيرِه، بقي الرسّام الشهير متجدّدا، يتطوّر ويتألق، ويُخلص للسخرية الراقية، الناقمة، الكاشفة. وبذلك أحرز شعبيّته العربية العريضة، ومحبّة الأردنيين، وهو الذي مُنعت رسومٌ له من النشر، واحتال على عدّة رقاباتٍ، وأودِع السجن أياما، قبل عامين. وهنا، يجوزُ لنا، في "العربي الجديد" أن نعتزّ بزميلنا، عندما نرى أهل مصراتة في ليبيا يرفعون رسوما منه، في تظاهرة (يناير/ كانون الثاني 2020)، ضد جرائم خليفة حفتر. وعندما يفعل هذا أيضا شبّانٌ سوريون من أهالي إدلب، في تظاهرةٍ (يوليو/ تموز 2020) ضد الأسد والإسناد العسكري الروسي له. وعندما يشتهر الرسم الذي أنجزه (إبريل/ نيسان 2019) للسودانية، آلاء صلاح، عربيا وعالميا، وتعتمدُه الشابّة الناشطة "بروفايلا" لها في صفحاتها. وليس منسيّا أن منظمتَين صهيونيّتين (مقرّهما نيويورك) أرادتا في 2012 النيْل من حجّاج، وهاجمتاه في استهدافٍ مكشوف، بزعم إنه في رسوماته يعادي اليهود ودينهم، وافتعلتا ضدّه تهمتي التحريض العنصري ومعاداة السامية، غير أنّ رسّامنا تمكّن، بمساندة رسّامين عديدين، من فضح الفِِرية وتطويق الحملة. ولمّا عَدّت مجلة الأعمال "Arabian. Business" (تصدُر في دبي) صديقَنا، مرّاتٍ، من أهم مائة شخصيةٍ عربيةٍ مؤثّرة، فإنها ما تزيّدت.
مناسبة هذا الطواف في بعض هذا الأرشيف، التعبيري الغزير المتنوّع، أن صاحبَه عماد حجّاج استحقّ تكريما عربيا بالغ الأهمية، بمنحه جائزة محمود كحيل (في دورتها الثامنة) لإنجازات العمر في الكاريكاتير والفنون البصرية، وتسلّمها، الأسبوع الماضي، في حفلٍ في بيروت، (مع زملاء عربٍ له فازوا في فئاتٍ أخرى)، وهي الجائزة الأهم عربيا في هذا الفن، ويمنحُها مركز رادا ومعتز الصواف لدراسات الشرائط المصوّرة العربية في الجامعة الأميركية في بيروت. وجاء المنظّمون على حجّاج واحدا من الروّاد في إنتاج أفلام الرسوم المتحرّكة في الأردن، وصاحب إبداعاتٍ كثيرةٍ في الكاريكاتير السياسي والمحتوى الساخر. وإذ تنضاف هذه الجائزة المقدّرة إلى أخرياتٍ عربيةٍ وأردنيةٍ كان قد استحقّها زميلُنا وصديقُنا، فالتهنئة له ولنا.