عندما تكلمت رغد صدّام حسين
نجحت قناة العربية، أخيراً، في الحصول على سبقٍ، بمقابلاتها الحوارية مع رغد، ابنة الرئيس العراقي الراحل صدّام حسين، أفضى إلى زيادة نسبة مشاهدتها والتفاعل معها، وإنْ هناك ملاحظات كثيرة جداً على الأسئلة ومحاور الحلقات والأسئلة المرتجلة من المحاور. وقد كشفت رغد، فيما كشفت، عن حالة فوضى عارمة في العراق خلال فترة الغزو الأميركي الدولي، عام 2003، ثم الاحتلال، حتى إن رئيس الجمهورية لم يكن قد رتب، أو حسِبَ حساب عائلته، في حالة تنفيذ الولايات المتحدة قرارها بغزو العراق واحتلاله، فبحسب رغد، كان خروجهم عشوائياً وكلٌ لا يعلم بمصير الآخر، فهي مع شقيقتها رنا خرجتا باتجاه، ووالدتها مع حلا خرجتا باتجاه آخر، من دون تنسيق، أو علم مسبق أو لاحق بمصير أخويهم، عُدي وقُصي، ولا حتى والدهم صدام حسين.
لم يكن للتعليقات الكثيرة، وربما المخاوف الأكثر، لدى نواب وكتاب وسياسيين عراقيين، من ظهور ابنة صدام، ما يبرّرها، وهي تدلّ على ضيق الأفق السياسي لدى الذين نظروا إلى هذه المقابلات التلفزيونية تمثل توجهاً لتهيئة هذه المرأة للعب دور سياسي في مستقبل العراق، مستندين في ذلك إلى تعويم بعض إجاباتها عن أسئلةٍ لا تملك هي إجاباتها الفعلية، واكتفت بالقول عنها "كل شيء وارد" أو "كل شيء ممكن" و"كل الخيارات مطروحة"، فاعتبروا هذه العبارات "عدم نفي إمكانية حدوثها". وطالب نواب، ومنهم رئيس لجنة "الشهداء والضحايا والسجناء السياسيين" في البرلمان العراقي، عبد الإله النائلي، من خلال مذكرات رفعوها إلى وزارة الخارجية العراقية، باستدعاء سفيري الأردن والسعودية لتسليمهما مذكرات احتجاج شديدة اللهجة، معتبرين إظهار رغد "تجاوزاً سافراً" على الشعب العراقي. كذلك دعا زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، البرلمان والحكومة العراقية إلى تفعيل دور هيئة اجتثاث "البعث الإرهابي المحظور"، بحسب تعبيره.
مجمل حديث رغد كان ودياً، تصالحياً، ولم يكن فيه أية نبرة تهديد ووعيد
وهناك من العرب من اعتبر الإطلالات التلفزيونية هذه لابنة صدّام حسين بمثابة فتقٍ لجرح احتلال الكويت، وأظهروا امتعاضهم وتعليقاتهم المتشنّجة ضد مرحلة صدّام، وبعضهم تجاوز هذا الحد بإظهار عقد تاريخية، ظن بعضهم أن 18 عاماً من سقوط نظام صدّام كانت كفيلة بتجاوزها. وفي هذا كله خيبة كبيرة جداً للمراهنين على علاقات طبيعية بين العراق وجيرانه، على الرغم مما قدمته حكومات ما بعد 2003 من تنازلات وتسهيلات على حساب حقوق تاريخية وجغرافية، وأقول خيبة، لأن ردود الأفعال كانت لمجرد ظهور سيدةٍ لا تمتلك أدوات تنظيمية أو تنفيذية، أو حتى تمويلية، تأتي من خلالها إلى حكم العراق، أو حتى تسمح لخيالات بعضهم لتصور هذا الأمر.
ولكن، ولإنصاف الأجزاء الستة من سلسلة الحوار، فإن مجمل حديث رغد كان ودياً، تصالحياً، ولم يكن فيه أية نبرة تهديد ووعيد. كما أنها تجاوزت أسئلة كثيرة أرادت أن تقذف بها للتعبير عن موقف تجاه أحد من القوى المتنفذة في العراق اليوم، لكنها أفردت تعليقات كثيرة خاصة بأوضاع بلادها السيئة، وسيطرة إيران وتحكّمها في المشهد العراقي، معتبرة حل هذا التدخل والنفوذ بيد العراقيين، إذا ما اتحدوا وواجهوا "استباحة العراق بعد غياب السلطة الحقيقية".
هناك أسئلة تُثير استفهاماً بشأن أسباب وضعها في هذا الحوار، مثل رأي رغد بحزب البعث، وعلاقة عائلتها بنائب صدام حسين، عزة إبراهيم، ومذكرات حرير حسين كامل، وقضايا أخرى ترتبط بمعلومات يعرفها الجميع عن زوجها، حسين كامل، وطريقة مقتله، ثم عن إمكانية لعبها دوراً سياسياً في العراق.. إلخ ، فالجميع يعلم أن حزب البعث في العراق ليس حزباً عائلياً، والدليل أن أولاد صدّام وبناته لم يكونوا قادة، أو حتى من الكادر المتقدّم للحزب، وأن هناك قيادات تعمل بشكل تنظيمي يعتمد السرية المطلقة، بسبب ظروف عمل البعثيين في البيئة العراقية التي تحظر نشاط هذا الحزب، أياً كانت.
اهتز النظام في العراق وخرج عن طوره بمجرد ظهور سيدة صفتها الوحيدة أنها ابنة صدّام حسين، ومن دون هذه الصفة لا تملك مالاً ولا داراً ولا أمناً ولا حزباً
واحد من أهم الاستنتاجات التي أفرزتها تعليقات المعلقين على هذه المقابلة التلفزيونية، وهم كثر، هشاشة النظام السياسي في العراق، إذ إنه، وبعد 18 عاماً، يهتز هذا النظام ويخرج عن طوره بمجرد ظهور سيدة صفتها الوحيدة أنها ابنة الرئيس الراحل صدّام حسين، وهي من دون هذه الصفة لا تملك مالاً ولا داراً ولا أمناً ولا حزباً، منذ هروبها، مع بقية العائلة إلى خارج العراق عام 2003، تعيش في رعاية الدولة الأردنية وحمايتها، فيما تعيش والدتها وشقيقتها حلا في رعاية دولة قطر. ولكن اختلال التركيبة السياسية في العراق سبب فقدان العراقيين الثقة بالحكومات المتعاقبة، بسبب فشلها في تحسين الأوضاع المعيشية للعراقيين وظروفهم الأمنية.
الإيجابي الذي حققته هذه المقابلات ربما إظهار ما يمت إلى صدّام حسين بالشكل الذي يدفع المتلقي إلى التفكر بحالة العراق والعراقيين قبل الاحتلال، والتأمل بما تحقق لهؤلاء العراقيين، بعدما أزاحت الولايات المتحدة وحلفاؤها نظام صدّام، والمقارنة بين حكمه وحكم من جاءوا بعده. وقد استعاد كثيرون فكرة البطل القومي وحارس البوابة الشرقية وصمام الأمان للعراق والمنطقة، فيما لم يذهبوا، كما حسِب المتخوفون من عودة حكم آل صدّام، إلى أن رغد ستعود لتستكمل مسيرة والدها في عراقٍ جديد.