عن اغتيال إسماعيل هنيّة
ليس إسماعيل هنيّة أول شهداء فلسطين ولا آخرهم. القافلة طويلة، والسجلّ مفتوح على الماضي والحاضر والمستقبل، ما دام الشعب الفلسطيني يواصل كفاحه للخلاص من الاحتلال الإسرائيلي. قبله استشهد قادةٌ كبار كالرئيس ياسر عرفات، وخليل الوزير (أبو جهاد)، والشيخ أحمد ياسين مؤسّس حركة حماس، وعددٌ كبير من القادة والكوادر. وقد باتت الشهادة قَدَرَ الفلسطيني، يمكنها أن تنزل عليه في أيّ لحظة في طريق الحرية، وفي المواجهة المفتوحة مع العدو. يبقى هذا المصير ماثلاً على الدوام.
هو أول الاحتمالات، قد يدركه من يصل إلى مرتبة القيادة، ومن يحمل السلاح للدفاع عن نفسه، ومن أجل تحرير أرضه من الاحتلال. وفي هذا المقام لا تميّز إسرائيل بين فلسطيني وآخر، ولا تراعي خصوصية مكان، في داخل فلسطين أو خارجها، كلُّ من يقف في طريقها يصبح هدفاً عليها أن تتخلّص منه، وتسجّله في حساب الدفاع عن أمنها. ومن المُؤكّد أنّ عملية اغتيال هنيّة تٌعبّر عن لحظة أزمة عميقة في إسرائيل، بعد أن فشلت في تحقيق الأهداف التي وضعتها للحرب على غزّة، ومنها استعادة الرهائن، والقضاء على حركة حماس.
الاغتيالات سياسة ثابتة لم تتغيّر منذ تأسيس إسرائيل. وهناك هدف سياسي أو عسكري مباشر من وراء كلّ عملية تصفية لرمز فلسطيني. ورغم فشله في وقف مسيرة الكفاح الفلسطيني، لم يُقلِع عن هذا الأسلوب القادةُ الذين تناوبوا على حكم اسرائيل، لأنّ بديله هو الحوار الجادّ مع الفلسطينيين، والجلوس إلى طاولة المفاوضات، وحين حاول إسحق رابين أن يمشي خطوةً في هذه الطريق، واجه الاغتيال من طرف من لا يريدون للسلام أن يكون بديلاً من الحرب. وفي هذه المعادلة ليس لدى الفلسطينيين سوى خيار المقاومة في مواجهة موجات الاستيطان الزاحفة بقوّة من أجل تهويد الضفّة الغربية، وتهجير أهلها. وهذا هو مشروع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، ووزراء حكومته، التي يُشكّل زعماء المستوطنين عمودها الفقري.
لم يكن هنيّة قائداً عسكرياً يقاتل في الميدان، بل هو رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ومن هذا الموقع استُقبِل في عواصم عربية وعالمية، وكان يفاوض إسرائيل عبر الوسطاء الإقليميين والدوليين، من مصر وقطر والولايات المتّحدة وفرنسا، من أجل التوصّل إلى اتفاق لوقف الحرب على قطاع غزّة. وحين تغتال إسرائيل المفاوض الرئيس، فإنّها تنسف مبدأ المفاوضات من الأساس، وتستمرّ في مواصلة الحرب، التي باتت مفتوحةً نحو مستوىً جديدٍ من التصعيد، بسبب ارتكاب عملية الاغتيال داخل إيران، وهذا أمر يرتّب على طهران ردّاً يحفظ لها ماء الوجه في الأقل، لكنّه قد يخالف التقديرات، ويذهب أبعد من ذلك، ويقود إلى خلط الأوراق، بما في ذلك احتمال رفع مستوى الحرب.
تقوم حسابات نتنياهو من اغتيال هنيّة على رفع رصيده لدى الجمهور الاسرائيلي، الذي ينتظر منذ عشرة أشهر من الحرب انتصاراً يردّ على هجمات 7 أكتوبر. وقد أمر بتنفيذ العملية وهو يرى أنّ مجالَ الحرب مفتوحٌ أمامه بعد زيارته الولايات المتّحدة، التي حظي فيها باستقبال حافل، وسط تراجع دور الإدارة الأميركية في فترة انتخابية، تشهد تنافساً شديداً، ومن الواضح أنّ هذا الوضع سوف يستمرّ حتّى وصول رئيسٍ أميركي جديدٍ إلى البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني المُقبل. ويراهن رئيس الوزراء الاسرائيلي صراحةً على فوز الرئيس السابق دونالد ترامب، لأنّه يتوافق معه بخصوص مشاريعه المطروحه من أجل اليوم التالي في غزّة، وشطب الطرف الفلسطيني من المعادلة، وردع إيران، وإطلاق عملية التطبيع مع بعض الدول العربية، التي توقّفت بعد 7 أكتوبر.