24 أكتوبر 2024
عن الأزمة الصومالية الجيبوتية
الشافعي أبتدون
الشافعي أتبدون: إعلامي وباحث صومالي حاصل على ماجستير الصحافة من المدرسة العليا للصحافة والتواصل في باريس، صدر له كتاب "الفيدرالية في الصومال: أطماع التقسيم وتحديات الوحدة". لديه أبحاث ومقالات منشورة في مواقع ومراكز عربية وأجنبية.
أثار تصريح الرئيس الصومالي، محمد عبدالله فرماجو، في أسمرة، وخصوصا بشأن رفع العقوبات الدولية على إريتريا، زوبعة سياسة وإشكالات بين علاقات دولتين شقيقتين، الصومال وجيبوتي، في القرن الأفريقي، وهي علاقات لا تتأثر بالحركات السياسية أو الاضطرابات السياسية بين البلدين، بحسب رأي خبراء ومحللين.
انفجر خلافٌ في وجهات النظر بين الشعبين الشقيقين في البلدين، بين من يرى أحقية الصومال في تصفير مشكلاته مع الجوار، بدءاً بإثيوبيا وإريتريا، وانتهاء بمشكلاته الداخلية عبر لغة الحوار والمصالحة، وبين من يرى أن القيادة الصومالية أخطأت تقدير الحسابات السياسية، وفرطت بعلاقاتها مع جيبوتي، وأن ما أغضب الشقيق الجيبوتي ليس الزيارة بحد ذاتها، بقدر ما لمس تصريح فرماجو جرحاً لم يضمد بعد، وهو ما عكس اختلاف الرأي بين الشعبين في مواقع التواصل الاجتماعي.
يحق للجيبوتيين أن يصبّوا غضبهم بشأن تصريحٍ لرئيس الصومال لا يخدم السياسة الجيبوتية، بقدر ما يدعم توجه السياسة الخارجية لإريتريا للخروج من عزلتها الدائمة. لكن لا يحق
للجيبوتيين أن يتطاولوا على الأخوّة وصلة الدم بين الشعبين الشقيقين، فهذا خط أحمر بالنسبة إلى كثيرين، فالأخ لا يفرّط بعلاقة الدم، مهما بلغ الشجار والخلاف مبلغاً لا يُحتمل. كما أنه ليس من حق الصوماليين أن يكرّروا على مسامع الجيبوتيين نهاراً جهاراً سيرة الأجداد الذين ناضلوا من أجل تحرير جيبوتي من القبضة الاستعمارية الفرنسية، إذ كانت للصوماليين في ستينيات القرن الماضي بصمات بارزة في تحقيق استقلال جيبوتي، ونسقوا مع قادة النضال الجيبوتي، وساهموا بدمائهم ودبلوماسيتهم، لرفع ظلم الاستبداد والاستعباد الفرنسي من التراب الجيبوتي، حتى تحقق الاستقلال، بتعاضد أخوين صوماليين، أحدهما اختار جيبوتي اسماً ووطناً عام 1977.
عكست زيارة الرئيس الصومالي، فرماجو، جيبوتي في غضون أغسطس/ آب الجاري أوراقا غامضة وإشكالات دفينة كثيرة، فقد بدا لكثيرين أن استقبال رئيس الحكومة الجيبوتية الرئيس يعبر عن امتعاض جيبوتي تجاه خطوات الزائر نحو أسمرة، كما أن حيثيات الاستقبال لم تعكس روح الأخوة بين الجانبين. ولم يعقد الرئيسان مؤتمراً صحافياً كما جرت العادة، فانتهت زيارة الرئيس الصومالي من دون أن يفصح للإعلام عن أي شيء، فهل تحقق للرجل ما أراد، أم خاب ظنّه؟ ولكن تصريح وزير الخارجية الجيبوتي، محمود علي يوسف، بشأن عدم وجود خلاف سياسي وأزمة علاقات بين بلاده والصومال، خفّف حدّة التوتر السياسية بين الدولتين، على الرغم من أن قراءة بعضهم الزيارة مختلفة، من حيث لغة الخطاب السياسي للرجل، فبدت لكثيرين مجرّد تحصيل حاصل، في أزمةٍ لا تبدو في ظاهرها أنها خلاف كبير، بل مجرد تعثر سياسي قابل للترميم، إذا لم يتأخر الطرفان في تبديد مخاوفهما وهواجس تأزم العلاقات بين مقديشو وجيبوتي.
صحيح أن الصومال ينهض من تحت الركام، أمنياً وسياسياً، مثل طفل يتعثر بين الفينة والأخرى، فالمسارات السياسية التي يخطوها ليست سالكة، كما أن غياب استراتيجيات لتوجيه سياساته الخارجية تضفي مزيداً من الغموض، في مستقبل علاقاته مع الجوار الإقليمي والعرب والعالم ومصيرها، ويستدعي من أكاديميين مختصين إجراء مؤتمر عام للبحث عن مسارات التوجهات السياسية للصومال الجديد، وحلول لها، قبل أن يضطرب سياسياً مجدّداً نتيجة طيش سياسي ما في وقت يطفح الكيل بلا أمل.
لعبت جيبوتي ورئيسها، إسماعيل عمر جيلي، دوراً محورياً في إنقاذ الصومال، ابتداءً
بالمؤتمرات التي احتضنتها العاصمة الجيبوتية منذ عام 1991، وجهودها الدبلوماسية للتوسط بين الفرقاء الصوماليين، لحل أزماتهم الداخلية. ولها دور فاعل في توجيه السياسات الصومالية، من أجل مرحلة جديدة معافاة لشقيقها التائه بين معمعة الحرب ووسط أزيز الرصاص، وهذا معروفٌ في القرن الأفريقي.
يعود التعثر السياسي الراهن بين البلدين إلى المتغيرات الجيوسياسية في منطقة القرن الأفريقي، ونتيجة التحالفات والاستقطابات الدولية والعربية الجارية في المنطقة، فجيبوتي التي تحظى بثقل استراتيجي في المنطقة تواجه سخطاً إماراتياً سعودياً، وكذلك الصومال، وما يدار ويطبخ حالياً من سياسات إقليمية قرن أفريقية ليست في صالح أيٍّ من البلدين، فإذا لم يتجاوزا مشكلاتهما وتصافحا واجتمعا على قلب رجل واحد، ستكون الغلبة للسياسات الجديدة في المنطقة التي تريد عزل جيبوتي من مكانتها الاستراتيجية والحيوية في القرن الأفريقي.
حقاً، لجيبوتي بعد استراتيجي وتحالف قوي من قوى عظمى عالمية، لكن أحياناً، ومن دون سابق إنذار، ينقلب المشهد السياسي والجيواقتصادي في المنقطة رأسا على عقب، فتعبيد خط أنابيب بين أسمرة وأديس أبابا بتمويل إماراتي، إلى جانب تشغيل ميناءي عصب ومصوع الإريتريين لينافسا الموانئ الإقليمية، ربما سيؤثر ذلك في مكانة موانئ جيبوتي الاستراتيجية، على الرغم من أن القادة الجيبوتيين يدركون حجم مخاطر هذه التقلبات السياسية في المنطقة. وبهذا بات ملزماً على جيبوتي تعزيز تحالفاتها الاقتصادية والسياسية، وعدم الإفراط بعلاقاتها الخارجية في المشهديْن الإقليمي والدولي، والعربي أيضاً.
انفجر خلافٌ في وجهات النظر بين الشعبين الشقيقين في البلدين، بين من يرى أحقية الصومال في تصفير مشكلاته مع الجوار، بدءاً بإثيوبيا وإريتريا، وانتهاء بمشكلاته الداخلية عبر لغة الحوار والمصالحة، وبين من يرى أن القيادة الصومالية أخطأت تقدير الحسابات السياسية، وفرطت بعلاقاتها مع جيبوتي، وأن ما أغضب الشقيق الجيبوتي ليس الزيارة بحد ذاتها، بقدر ما لمس تصريح فرماجو جرحاً لم يضمد بعد، وهو ما عكس اختلاف الرأي بين الشعبين في مواقع التواصل الاجتماعي.
يحق للجيبوتيين أن يصبّوا غضبهم بشأن تصريحٍ لرئيس الصومال لا يخدم السياسة الجيبوتية، بقدر ما يدعم توجه السياسة الخارجية لإريتريا للخروج من عزلتها الدائمة. لكن لا يحق
عكست زيارة الرئيس الصومالي، فرماجو، جيبوتي في غضون أغسطس/ آب الجاري أوراقا غامضة وإشكالات دفينة كثيرة، فقد بدا لكثيرين أن استقبال رئيس الحكومة الجيبوتية الرئيس يعبر عن امتعاض جيبوتي تجاه خطوات الزائر نحو أسمرة، كما أن حيثيات الاستقبال لم تعكس روح الأخوة بين الجانبين. ولم يعقد الرئيسان مؤتمراً صحافياً كما جرت العادة، فانتهت زيارة الرئيس الصومالي من دون أن يفصح للإعلام عن أي شيء، فهل تحقق للرجل ما أراد، أم خاب ظنّه؟ ولكن تصريح وزير الخارجية الجيبوتي، محمود علي يوسف، بشأن عدم وجود خلاف سياسي وأزمة علاقات بين بلاده والصومال، خفّف حدّة التوتر السياسية بين الدولتين، على الرغم من أن قراءة بعضهم الزيارة مختلفة، من حيث لغة الخطاب السياسي للرجل، فبدت لكثيرين مجرّد تحصيل حاصل، في أزمةٍ لا تبدو في ظاهرها أنها خلاف كبير، بل مجرد تعثر سياسي قابل للترميم، إذا لم يتأخر الطرفان في تبديد مخاوفهما وهواجس تأزم العلاقات بين مقديشو وجيبوتي.
صحيح أن الصومال ينهض من تحت الركام، أمنياً وسياسياً، مثل طفل يتعثر بين الفينة والأخرى، فالمسارات السياسية التي يخطوها ليست سالكة، كما أن غياب استراتيجيات لتوجيه سياساته الخارجية تضفي مزيداً من الغموض، في مستقبل علاقاته مع الجوار الإقليمي والعرب والعالم ومصيرها، ويستدعي من أكاديميين مختصين إجراء مؤتمر عام للبحث عن مسارات التوجهات السياسية للصومال الجديد، وحلول لها، قبل أن يضطرب سياسياً مجدّداً نتيجة طيش سياسي ما في وقت يطفح الكيل بلا أمل.
لعبت جيبوتي ورئيسها، إسماعيل عمر جيلي، دوراً محورياً في إنقاذ الصومال، ابتداءً
يعود التعثر السياسي الراهن بين البلدين إلى المتغيرات الجيوسياسية في منطقة القرن الأفريقي، ونتيجة التحالفات والاستقطابات الدولية والعربية الجارية في المنطقة، فجيبوتي التي تحظى بثقل استراتيجي في المنطقة تواجه سخطاً إماراتياً سعودياً، وكذلك الصومال، وما يدار ويطبخ حالياً من سياسات إقليمية قرن أفريقية ليست في صالح أيٍّ من البلدين، فإذا لم يتجاوزا مشكلاتهما وتصافحا واجتمعا على قلب رجل واحد، ستكون الغلبة للسياسات الجديدة في المنطقة التي تريد عزل جيبوتي من مكانتها الاستراتيجية والحيوية في القرن الأفريقي.
حقاً، لجيبوتي بعد استراتيجي وتحالف قوي من قوى عظمى عالمية، لكن أحياناً، ومن دون سابق إنذار، ينقلب المشهد السياسي والجيواقتصادي في المنقطة رأسا على عقب، فتعبيد خط أنابيب بين أسمرة وأديس أبابا بتمويل إماراتي، إلى جانب تشغيل ميناءي عصب ومصوع الإريتريين لينافسا الموانئ الإقليمية، ربما سيؤثر ذلك في مكانة موانئ جيبوتي الاستراتيجية، على الرغم من أن القادة الجيبوتيين يدركون حجم مخاطر هذه التقلبات السياسية في المنطقة. وبهذا بات ملزماً على جيبوتي تعزيز تحالفاتها الاقتصادية والسياسية، وعدم الإفراط بعلاقاتها الخارجية في المشهديْن الإقليمي والدولي، والعربي أيضاً.
دلالات
الشافعي أبتدون
الشافعي أتبدون: إعلامي وباحث صومالي حاصل على ماجستير الصحافة من المدرسة العليا للصحافة والتواصل في باريس، صدر له كتاب "الفيدرالية في الصومال: أطماع التقسيم وتحديات الوحدة". لديه أبحاث ومقالات منشورة في مواقع ومراكز عربية وأجنبية.
الشافعي أبتدون
مقالات أخرى
03 سبتمبر 2024
18 اغسطس 2024
27 يوليو 2024