09 نوفمبر 2024
عن الثقافة العربية في 2014
لا تزيّد في اعتبار وقفة أبو بكر البغدادي، الصيف الماضي، على منبرٍ في الموصل، لإعلان دولة الخلافة الإسلامية، الحدث الثقافي الأهم في العام 2014، لأنَّ التحدّي الذي أحدثته أمام الثقافة العربية باهظ، ولا سيما أن رجال البغدادي كانوا، في بطاحٍ سوريةٍ وعراقيةٍ، قد باشروا الدولة المذكورة، وقتلوا آلاف السوريين ورحّلوا آلاف المسيحيين العراقيين، واستباحوا حواضر وأريافاً رفعوا فيها راياتهم. وأمام هذا (الإجراء)، التاريخي فعلاً، معطوفاً على التصدّع الظاهر للدولة في المشرق العربي، يجد المثقف العربي نفسَه في ضعفٍ جديد، فما راكمه، عقوداً، عن الحداثة والتمدن والحرية والحق والجمال والعدالة، رهاناتٍ لازمةً في الأفق العربي المنشود، صار مرتجّاً. ولمّا كانت عدّة المثقف موقفه وصوته، يمكن الاطمئنان إلى أنهما كانا واضحيْن، وشجاعيْن ربما، في العام العربي الذي يستعد للرحيل، في رفض هذا المستجد الشنيع. وجاء البيان الذي أعلن في يوليو/تموز الماضي، موقّعاً من 260 مثقفاً، مهماً في تأكيده وجوب كفاح المثقفين العرب ضد "القتلة القدامى والجدد".
ترويعٌ غير هيّن في استهانة السلطة في مصر بكرامة مواطنيها، مع همّةٍ نشطةٍ في الاعتقالات والمحاكمات التافهة، والتعذيب في السجون، بات مقلقاً ومفزعاً أن صوت المثقف المصري كان إزاءها ضعيفاً أو جباناً أو صامتاً. وأن تكون ضد داعش مع استهانتك بشأن الحادث في مصر، فذلك يعني انفصاماً فيك. ولا شطط في الزّعم إن تواطؤ الوسط الثقافي المصري (مع استثناءات) مع فظاعة انتهاكات حقوق الإنسان، وعدم الجهر بصوت عال وجسورٍ ضدها، مثّل نقطةً سوداءَ في حال الثقافة العربية في 2014.
نقطة بيضاء في 2014 أن المنتوج الإبداعي لكتاب سوريّة وفنانيها، في الرواية والشعر واليوميات والقصة والتشكيل والسينما، كان غزيراً وطيب المستوى. وصار في الوسع أن يُقال إن ألم النكبة السورية، المستمرة بفعل محدلة التمويت والقتل والتهجير، والموصولة بأرشيفٍ أسود من فظاعات النظام البعثي هناك، صارت له تعبيراته الحاذقة في نتاج شعراء وروائيين وسينمائيين سوريين، غير قليلين، بعضهم شبانٌ نابهون. ويمكن التأشير إلى أدبٍ يستحق الالتفات إليه في الداخل السوري، (من مكرمات آل الأسد على السوريين أنهم صاروا في داخلٍ وخارج، ولكلٍّ أدبه ومنتوجه). ونظنها مهمةً ملحة على الصحافة الثقافية العربية، (ماذا عن النقد؟) أن تلاحق بمتابعةٍ عميقةٍ هذه الوفرة البديعة لمدوّنة الشجى السوري، في نصوصٍ ولوحات وأفلام، لا مغامرة في القول إن مستوى الكثير منها عال.
لا يُغفل في حصاد 2014 أن أكثر من 700 رواية، مخطوطة ومنشورة، تقدمت للتنافس على جوائز كتارا للرواية العربية الخمس في الدوحة، ما يؤكد غواية الرواية، عربياً (وعالمياً)، حقيقةً شديدة الوضوح، أمام إغراء الجوائز السخية ومقروئية الرواية الذي يزداد اتساعاً. قد يكون مفرحا هذا الحال، أو موضوع نقاش، أما المحزن فهو أن تردّي حال اللغة العربية في بلدانها صار شديد الفداحة في 2014، والذي يمكن حسبان غضبة عبد الله العروي في المغرب بسبب هذا الحال، وصيحته من أجل حماية العربية، كانت حدثاً مهماً فيه. ويمكن التثنية، في هذا الخصوص، على جائزة الشيخ محمد بن راشد الدولية للغة العربية (70 ألف دولار)، المعلنة أخيراً، لتقدير جهود العاملين في ميدان اللغة العربية.
هل صدرت، في 2014، مؤلفاتٌ عربية في الفكر والتنظير الثقافي، ذات قيمة رفيعة؟ أُرجح إجابة بالنفي، وإنْ يحسنُ التأشير إلى اختتام العام بصدور الجزء الثاني من المجلد الأول لكتاب عزمي بشارة "الدين والعلمانية في سياق تاريخي"، ضمن مشروعٍ بحثيٍ كبير، ترى هذه السطور أن موضوعه شديد الإلحاح على الراهن العربي، ثقافةً وسياسة واجتماعاً، فضعف الاجتهاد بشأن سؤال الدين والعلمانية استمر عيباً مركزياً في الثقافة في 2014، والمأمول ألا يتأبد ويدوم.
ترويعٌ غير هيّن في استهانة السلطة في مصر بكرامة مواطنيها، مع همّةٍ نشطةٍ في الاعتقالات والمحاكمات التافهة، والتعذيب في السجون، بات مقلقاً ومفزعاً أن صوت المثقف المصري كان إزاءها ضعيفاً أو جباناً أو صامتاً. وأن تكون ضد داعش مع استهانتك بشأن الحادث في مصر، فذلك يعني انفصاماً فيك. ولا شطط في الزّعم إن تواطؤ الوسط الثقافي المصري (مع استثناءات) مع فظاعة انتهاكات حقوق الإنسان، وعدم الجهر بصوت عال وجسورٍ ضدها، مثّل نقطةً سوداءَ في حال الثقافة العربية في 2014.
نقطة بيضاء في 2014 أن المنتوج الإبداعي لكتاب سوريّة وفنانيها، في الرواية والشعر واليوميات والقصة والتشكيل والسينما، كان غزيراً وطيب المستوى. وصار في الوسع أن يُقال إن ألم النكبة السورية، المستمرة بفعل محدلة التمويت والقتل والتهجير، والموصولة بأرشيفٍ أسود من فظاعات النظام البعثي هناك، صارت له تعبيراته الحاذقة في نتاج شعراء وروائيين وسينمائيين سوريين، غير قليلين، بعضهم شبانٌ نابهون. ويمكن التأشير إلى أدبٍ يستحق الالتفات إليه في الداخل السوري، (من مكرمات آل الأسد على السوريين أنهم صاروا في داخلٍ وخارج، ولكلٍّ أدبه ومنتوجه). ونظنها مهمةً ملحة على الصحافة الثقافية العربية، (ماذا عن النقد؟) أن تلاحق بمتابعةٍ عميقةٍ هذه الوفرة البديعة لمدوّنة الشجى السوري، في نصوصٍ ولوحات وأفلام، لا مغامرة في القول إن مستوى الكثير منها عال.
لا يُغفل في حصاد 2014 أن أكثر من 700 رواية، مخطوطة ومنشورة، تقدمت للتنافس على جوائز كتارا للرواية العربية الخمس في الدوحة، ما يؤكد غواية الرواية، عربياً (وعالمياً)، حقيقةً شديدة الوضوح، أمام إغراء الجوائز السخية ومقروئية الرواية الذي يزداد اتساعاً. قد يكون مفرحا هذا الحال، أو موضوع نقاش، أما المحزن فهو أن تردّي حال اللغة العربية في بلدانها صار شديد الفداحة في 2014، والذي يمكن حسبان غضبة عبد الله العروي في المغرب بسبب هذا الحال، وصيحته من أجل حماية العربية، كانت حدثاً مهماً فيه. ويمكن التثنية، في هذا الخصوص، على جائزة الشيخ محمد بن راشد الدولية للغة العربية (70 ألف دولار)، المعلنة أخيراً، لتقدير جهود العاملين في ميدان اللغة العربية.
هل صدرت، في 2014، مؤلفاتٌ عربية في الفكر والتنظير الثقافي، ذات قيمة رفيعة؟ أُرجح إجابة بالنفي، وإنْ يحسنُ التأشير إلى اختتام العام بصدور الجزء الثاني من المجلد الأول لكتاب عزمي بشارة "الدين والعلمانية في سياق تاريخي"، ضمن مشروعٍ بحثيٍ كبير، ترى هذه السطور أن موضوعه شديد الإلحاح على الراهن العربي، ثقافةً وسياسة واجتماعاً، فضعف الاجتهاد بشأن سؤال الدين والعلمانية استمر عيباً مركزياً في الثقافة في 2014، والمأمول ألا يتأبد ويدوم.