عن المصالحة والاغتيال وفيفي عبده
سئلت: ما رأيك في صفقة المصالحة بين الإخوان المسلمين ونظام عبد الفتاح السيسي برعاية سعودية، كما نشرت"الشروق" المصرية؟
قلت الآتي: ليس نظام السيسي مشغولاً بالتصالح مع ضحاياه، والضحايا هنا ليسوا "الإخوان" وحدهم، وإنما كل ما يمت إلى ثورة يناير بصلة.. وأن شغل السيسي الشاغل هو وصل ما انقطع بينه وبين السعودية، وظنّي أن ما انقطع كثير، ليس أهم ما فيه شحنات "أرامكو" الشهرية من الوقود.
وفي ذلك، ليس مستبعداً على الإطلاق أن يغازل نظام السيسي الرياض بحواديت المصالحة في مصر، من خلال لعبة تسريب أخبار مجهلة، منسوبة إلى مصادر مجهولة، داخل الجماعة ومن خارجها، فضلاً عن الدفع بتعزيزات إضافية من "عساكر الإعلام المحلي" تبث نحيباً وتشنجاً عن رفض المصالحة مع "الإخوان"، وكأن هناك مصالحة بالفعل، يجري إعدادها في مطابخ سرية.
تبدو بنود الصفقة المزعومة من الركاكة، بما يؤهلها لمنافسة سيناريو محاولة الاغتيال المزعومة التي استهدفت عبد الفتاح السيسي، في أثناء أدائه العمرة، لدى زيارته السعودية، وهو المخطط الذي كشفه "الأمن الوطني" المصري، وحده، من دون علم أجهزة الأمن السعودية، وأنقذ به السيسي وولي العهد السعودي، محمد بن نايف، من الاغتيال على الأراضي السعودية.
تقرأ في تفاصيل المخطط الذي تحول إلى قضية أمام المحاكم العسكرية، فتجد دراما شديدة الابتذال، تتفوّق على ما تعج به مواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام من سخريةٍ، متجدّدة، من مسلسل تلفزيوني قديم اسمه "طائر الحب"، تؤدي فيه فيفي عبده شخصية أديبة ورئيسة تحرير تعيش حالةً عاطفية، تثير الضحك أكثر بكثير مما تقدمه كوميديا "اللمبي" التجارية، حيث يواصل نشطاء الشبكات الاجتماعية تداول مقاطع من المسلسل، تحت عناوين خفيفة الظل من نوعية "أكثر قصة حب مقزّزة في تاريخ الدراما".
في سيناريوهات المصالحة، والاغتيال، أنت أمام شيء من الدراما السياسية المقزّزة، حيث تغيب الحبكة والصنعة، وتحضر العجلة والتسرع في الإنتاج، فيخرج العمل رديئاً ممتلئاً بالثقوب والعيوب على هذا النحو، خصوصاً عندما تقرأ، على لسان محامين وناشطين، أن من بين المتهمين في مخطط القضية رقم 502 عسكرية أمواتا قضوا قبل سنوات، ومنهم أيضاً من كانوا في القضية رقم 447 المعروفة باسم"ميكروباص حلوان"، والتي لم يأت فيها ذكر لاسم عبد الفتاح السيسي، هدفاً للاغتيالات، طوال نظر وقائعها، كما كشف عن ذلك مجموعة من المحامين.
تنشر صحف عبد الفتاح السيسي، بالتزامن مع النشر عن المصالحة، ما يلي:
"قالت مصادر قضائية إن تحرّيات قطاع الأمن الوطني بوزارة الداخلية، هي التي توصلت إلى هوية جميع المتهمين مرتكبي الجرائم موضوع الاتهام، وفي مقدمتها تحديد وكشف النقاب عن تفاصيل المخطط الإرهابي الذي استهدف اغتيال الرئيس عبد الفتاح السيسي، أثناء أدائه مناسك العمرة، والأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ولي العهد السعودي".
هنا مربط الفرس: السيسي وأجهزته الأمنية أنقذوا ولي العهد السعودي من الاغتيال، على أرضه، وحموا السعودية من جريمةٍ إرهابية كبرى. وفي الأثناء، تنفجر حدوتة "الشيخ ميزو المهدي المنتظر المزعوم"، فتنتفض ستوديوهات وصحف السيسي ضده، انتصاراً للإسلام السني، هل هناك أكثر من ذلك ركاكةً أسلوبيةً في محاولة استعادة الود مع "الرياض"؟!
وفي السياق، تأتي بالونات التصالح مع "الإخوان"، عبر البوابة السعودية، أيضاً، فيما المستهدف هو محاولة التقرب إلى السعودية، من بوابة "الإخوان"، مناورة تكتيكية من نظام متخاصم مع كل القوى السياسية المعارضة له، على اختلاف درجات المعارضة، إذ تنطق ممارساته، يومياً، بأنه ماضٍ في بطشه بالجميع. وتكفي حالة الباحث إسماعيل الإسكندراني مثالاً على التمسك بمنهج العصف إلى آخر مدى، إذ تم إلغاء قرار إخلاء سبيله، بعد ساعات من إصداره، ليبقى في دوامة تجديد الحبس. وقبل الإسكندراني، كانت قوائم العفو السيسية شيئاً أقرب إلى المسخرة، ناهيك عن التوسّع في أحكام الحبس والمنع من السفر لإعلاميين وحقوقيين.
يدور ذلك وحده بموازاة قرارات نقض أحكام الإعدام والمؤبد الصادرة بحق قيادات "الإخوان"، وإعادة محاكمتهم من جديد، والهدف مزدوج هنا: رسائل ود للأطراف الإقليمية الغاضبة، وإثارة الاشتباكات بين الجماعة الوطنية، بما يقطع الطريق على أية فرصةٍ للالتقاء بين الإسلاميين والتيارات السياسية الأخرى، وإشعال مواقد الاتهام بالصفقات السرية، وبعتونا وبعناكم، إلى آخر هذه البيزنطيات العقيمة.