عن بيان للمجلس الإسلامي السوري
ثمّة سؤال يبدو منطقياً، يوجّهه شيخٌ إلى طبيب في مناظرة تلفزيونية، يقول له، بلهجة إخوتنا المصريين: لما نكون أنا وأنت في مكان، ويدخل علينا راجل عَيَّان، ينفع أقوم أنا أعاينه وأكتب له روشيته وأنت موجود؟ والجواب في هذه الحالة، لا طبعاً، مينفعش.. الهدف من السؤال أن يمتنع أي إنسان، طبيباً كان أو مهندساً أو مدرّساً جامعياً، عن الإدلاء برأيه في شؤون الحياة والدين، وأن يحيله إلى أهل الاختصاص. ولكن؛ ماذا نقول إذا كان ذلك الطبيب، بالمصادفة، متفقهاً، متعمّقاً في الدين أكثر من ذلك الشيخ؟
نظرياً؛ لا كهنوت في الدين الإسلامي، هذا متّفق عليه، ومن ثم لا يحقّ لأحد احتكار علومه، وعندما يدخل شخصٌ محتارٌ يسأل عن حُكم، يحقّ للطبيب والشيخ أن يعرضا عليه رأييهما، والأفضل أن يبحث الرجل عن ضالّته، بنفسه، في الألوف من الكتب المقالات والفتاوى المتوفرة على الإنترنت.
مناسبة هذا الكلام اللغط الذي أثير أخيراً على صفحات "السوشيال ميديا"، بشأن البيان الذي أصدره المجلس الإسلامي السوري، وحذّر فيه الشباب من مشاهدة المسلسلات التلفزيونية التي يبثها "إعلامُ النظام السوري"، لأسبابٍ عديدةٍ، أبرزها، برأي المجلس، أن النظام المجرم يستعمل في هذه المسلسلات القوةَ الناعمة لنشر الفاحشة وتزيينها، ويعمد إلى تشويه تاريخينا، القديم والحديث، ويقدّم شخصيات فاسدة، كشخصية السكّير، بوصفها رمزاً للمعرفة وحب الخير للناس.. وكالعادة، انقسم السوريون بشأن البيان، أيّده بعضهم، وعارضة آخرون قائلين إن الأفضل للمجلس المذكور أن يلتفت إلى فقر السوريين، وتشرّدهم، ويعالج ما يتعرّض له سوريو الداخل من بطش طغمة الأسد التي يُزاح الستار يومياً عن جرائمها التي كانت مخفية، مثل ما فعل تقرير صحيفة غارديان عن مذبحة حي التضامن في دمشق (إبريل/ نيسان 2013)، والممارسات القمعية التي يرتكبها الجيش الوطني، وحكومة الجولاني بحق سوريي المناطق "المحرّرة" ويتساءلون: وماذا يقول المجلس المذكور، وماذا سيتصرّف بشأن ملايين السوريين الذين تهدّدهم المعارضةُ التركية، والحكومةُ نفسها أحياناً، بالترحيل؟
في هذا الموضوع نقاط جوهرية، بحثتُ عنها في كل ما نُشر من ردود، فلم أجد لها أثراً. أولها؛ أن "الإعلام" لا علاقة له بالمسلسلات التلفزيونية، فهي صناعة مستقلة، عمرها حوالي ستون عاماً، وهي في سورية صناعةٌ متطوّرة استطاعت، خلال الفورة الإنتاجية التي ابتدأت منذ أواسط التسعينيات أن تتفوّق. وثانيها؛ أن محطّات التلفزة السورية ليست الوحيدة التي تعرض هذه المسلسلات، انظر إلى القنوات الخليجية ترى العجب العجاب. وثالثها؛ أن ما طلبه المجلس الإسلامي من الشباب غير ممكن التحقق اليوم، لأسبابٍ تقنية.. نعم، في الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات، كان في إمكانك أن تطلب من الذين يتفرّجون على القناة الأولى أن يطفئوا التلفزيون، وقت إذاعة برنامج خليع، أو حلقة من مسلسل فيه رجل فاسد يحمل قيماً أخلاقية عالية، أو أن ينتقلوا إلى القناة الثانية. ولكن، بعد ظهور الفضائيات، أصبح كل مواطنٍ يحمل بيده جهاز "روموت كونترول"، يقلّب عشرات المحطات العربية والأجنبية، واخترع له الغرب، المتفرّغ للعلوم والاختراعات، كل ما يلزم له من أدوات نشر الفاحشة: كالفيديو ذي الأشرطة العريضة، ثم الـ سي دي، ثم الـ دي في دي، وصار بإمكان المواطن الذهاب إلى أي محل كومبيوتر ويشتري تلك الممنوعات، من تحت الطربيزة. وفيما بعد، بلغت الأمور حداً غير معقول، إذ استغنى المواطن عن محلات بيع هذه الإكسسوارات، وصار ينتقل إلى أماكن الفاحشة في تلفازه، بطقّة روموت كونترول. وعندما بدأت الأجهزة الرقابية في بعض الدول، تحجب المواقع الإباحية، قال المخترعون للمواطن: لا تحزن حبيب القلب، اخترعنا لك كاسر البروكسي. وهذا، لعلمك، لا يحتاج أن تذهب إلى الدكان وتشتريه من تحت الطربيزة. فالإنترنت فيه كل شيء.