عن تفضيلاتنا في الانتخابات الأميركية
رغم أنه ما زالت تفصلنا شهور ثلاثة ونيف عن موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، وهو وقت طويل نسبيّاً في عالم السياسة، إلا أنه بات واضحاً أن حظوظ المرشح الجمهوري دونالد ترامب باتت أكبر بعد المناظرة التلفزيونية الأولى مع خصمه الرئيس بايدن في أواخر الشهر الماضي (يونيو/ حزيران)، وزادت بعد محاولة الاغتيال التي تعرّض لها في عطلة نهاية الأسبوع (هناك من يجزم أن ترامب سيعود رئيسا في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، بالنظر أيضا إلى انقسامات الديمقراطيين حول مرشّحهم). ولأن السياسات الأميركية تؤثر في كل شيء يطاول حياتنا، من اقتصاد وسياسة وأمن، تتركّز أنظار الجميع على واشنطن لتقدير تداعيات فوز أحد المرشّحين على مصالحهم، واستقرارهم. وكما كل شعوب العالم وحكوماته، ينقسم العرب في تفضيلاتهم بين ترامب وبايدن (أو أي مرشّح ديمقراطي آخر إذا قرّر الأخير أن يتنحى عن السباق). طبعا، هناك أغلبية عربية واضحة ترى الخيارين سيئين، مع ذلك تبقى المفاضلة واضحة بالنسبة إليهم بين سيئ وأسوأ.
من يرغبون في فوز بايدن، باعتباره الخيار الأقل سوءاً، يرون أن الرجل، ورغم مواقفه المؤيدة لإسرائيل في حربها الدموية المستمرّة على غزّة منذ عشرة شهور، إلا أن سياساته الليبرالية في الداخل حول قضايا الهجرة، والاندماج، والبيئة، ومحاولة تخفيف التوتّرات العرقية، واحترام القانون... إلخ. تجعله أفضل من ترامب الذي يأخذ مواقف معاكسة تماماً في كل الشؤون المذكورة. بهذا المعنى، يعد بايدن سيئا بالنسبة إلى هؤلاء بمقدار ترامب نفسه بخصوص فلسطين، لكنه أقل سوءاً منه في كل القضايا الأخرى.
في المقابل، يبني من يفضّلون فوز ترامب مواقفهم بشكل رئيس حول سياساته "المتشدّدة" من إيران وحلفائها في المنطقة، وهم لذلك على استعداد لإغفال كل مواقفه الأخرى، إذا كان ذلك يؤدّي إلى إضعاف إيران أو عزلها أكثر، خاصة في ضوء ما يعتبرونه تسامحا أو مرونة من إدارة بايدن معها. لكن نظرة متفحّصة على سياسات ترامب هنا ربما تسبّب خيبة أمل لهؤلاء. صحيح أن ترامب انسحب من الاتفاق النووي الذي أبرمه باراك أوباما عام 2015، إلا أن ذلك لم يؤدّ، في حقيقة الأمر، إلا إلى تعزيز قدرات إيران النووية، إذ صار لديها من اليورانيوم المخصّب ما يكفي لصناعة قنبلة نووية، واحدة أو أكثر، علماً أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية وجدت آثار يورانيوم مخصّب بنسبة 83% في ثلاثة مواقع إيرانية (يحتاج إنتاج قنبلة إلى تخصيب بنسبة 90%). لقد جعلت سياسات ترامب إيران دولة حافّة نووية بحقّ، والسبب أن خطوة الانسحاب من اتفاق 2015 لم تتبعها أي خطوات عملية لمنع إيران من تعزيز قدراتها النووية. فوق ذلك، لم يهدف ترامب من إعادة فرض العقوبات على إيران وتشديدها زعزعة النظام، بل دفعه إلى إبرام اتفاق جديد، يحل محلّ اتفاق أوباما، ينتزع بموجبه تنازلاتٍ أكبر تسجّل باسمه هو. وباستثناء قراره تصفية قاسم سليماني في مطلع عام 2020، والذي جاء ردّا على محاولة اقتحام السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء في بغداد من مليشيات تدعمها إيران، لم يظهر ترامب في أي مرحلة استعدادا لمواجهة سياسات إيران في المنطقة. على العكس، شنّت إيران في عهد ترامب أكبر هجوم ضد السعودية، مستهدفة بصواريخ وطائرات مسيّرة منشآت أرامكو في سبتمبر/ أيلول 2019، من دون أن تخشى انتقاما أميركيا. وقد جاء الهجوم بعد أن اختبرت طهران ترامب بإسقاطها طائرة مسيّرة أميركية من طراز RQ4 Global Hawk ثمنها نحو 150 مليون دولار فوق مياه الخليج في 20 يونيو/ حزيران من العام نفسه، من دون رد أميركي. وقد شكل تعليق ترامب حول ما يعتزم القيام به للردّ على هجمات أرامكو صدمة لدى كثيرين: "هذا هجوم على السعودية وليس على الولايات المتحدة"!. ... على من ينتظر إذا أن يخوض ترامب معاركه نيابة عنه أن يدرك أن معركة الرجل الرئيسة هي ضد خصومه داخل الولايات المتحدة، أما علاقته ببقيّة العالم فتقوم على الصفقات والمساومات التي لن تكون على الأرجح لصالح شعوب المنطقة.