عن جرائم تزويج القاصرات
أعادت تصريحات لقاضي القضاة في الأردن، عبد الحافظ الربطة، أخيرا، الجدل على نطاق واسع، شمل أوساط منظمات المجتمع المدني وأفرادا من المهتمين بالشأن العام ونشطاء مشتغلين على ملفات الحريات العامة وتحقيق العدالة وضمان حقوق الطفل. وكان ذلك على إثر مؤتمر صحافي عقده القاضي أخيرا في عمّان، وعرض فيه واقع الزواج في المملكة من حيث النسب، وعمّت حالة من الغضب والاستياء والاستهجان، إثر كشف فضيلته عن واقعة طلب نائب سابق موافقة دائرة قاضي القضاة على الزواج من قاصر لم يتجاوز عمرها 15 عاما، وقوبل الطلب بالرفض. كما أورد أن نائبا حاليا توسّط لإتمام زواج رجل في منتصف الثلاثين من قاصر عمرها 16 عاما. وأثارت هاتان الإشارتان غضب نوّاب، معتبرين تصريحات قاضي القضاة تشهيرا بسمعتهم، بل وطالبه أحدهم في مذكّرة خطّية بالاعتذار، لأن مثل هذه الزيجات تحدُث باستمرار وبأعداد كبيرة في الأردن، وجاء في المذكّرة أن هذه المخالفات تحدُث دائما، في تبرير غير موفّق لسقطة النائبين الأخلاقية.
وبمقتضى المادة العاشرة في قانون الأحوال الشخصية في الأردن، الحد الأدنى للزواج لكلا الزوجين 18 عاما. ويضمن النصّ أهلية الزوجين البالغين العاقلين لتحمّل مسؤولية الزواج لو ظل النص على إطلاقه، لكن ذلك لم يحدث، وما زال تزويج القاصرات ممكنا، وهو ما يجري في الواقع، إذ يتم تزويج من هنّ في عمر 15 عاما بموافقة قضاة المحكمة الشرعية، بموجب تعديلاتٍ أقرّها مجلس النواب الأردني على قانون الأحوال الشخصية، تبيح تزويج القاصر في حالاتٍ خاصة واستثنائية، شريطة موافقة قاضي القضاة، وأن يكون الزواج ضرورةً تقتضيها المصلحة، مع التحقّق من توفر عنصري الرضا والاختيار، ووفق تعليمات يصدرها قاضي القضاه بالخصوص.
وقد أتاح هذا النص المبهم الفضفاض مخالفة النص الصريح الذي يحدّد سن الزواج. وطالب حقوقيون وناشطون بإلغاء هذا البند المعدّل الذي يبيح الالتفاف على القانون، وإتمام تزويج القاصرات حال الحصول على موافقة دائرة قاضي القضاه التي بيّنت إحصائياتها المعلنة إصدار عقود زواج كثيرة، تحت عناوين الخاصة والاستثنائية وتحقيق المصلحة، وكانت الزوجات في هذه العقود تحت سن 18 عاما، ما يثبت قصور هذه التعديلات، وعدم كفايتها للحدّ من ظاهرة تزويج الأطفال تحت مظلة "الاستثناء والحالات الخاصة" غير المحددة بشكل واضح. والأرجح أن المشرّع كان يقصد بالاستثناء المقترَح حالاتٍ معينة، تصبح فيها القاصر حاملا جرّاء اغتصاب أو تورط في علاقة غير مشروعة. وكان الحريّ به أن يكون أكثر دقة ووضوحا، كي لا يجري هذا التعسّف غير المقبول في تفسير القانون المُجحف بحقّ القاصرات بالدرجة الأولى، اللواتي يبادر ذووهنّ، خصوصا من فئة الأسر الفقيرة المعدمة، إلى تزويجهن حلا يائسا، بغية التخفّف من الأعباء المادية، ما يسلبهن طفولتهن، ويحدّ من فرصهن في التعليم والعمل، ويقضي على طموحهن، ويصادر حقّهن في تقرير المصير، وفي اختيار شريك الحياة، حين يبلغن السن القانونية التي تؤهلهن لاتّخاذ القرار بالزواج وتحمّل مسؤولياته الكبيرة.
يتوهم بعض الأهل في الزواج المبكر خلاصا، وسرعان ما يتورّطون، إذ غالبا ما تعود تلك الصغيرات جريحات مهانات كسيرات، وعلى أذرعهن أطفال، أفواه إضافية، تحتاج من يطعمها، وقد تخلّى الآباء عنهم، من دون أدنى إحساس بالمسؤولية. وفي أحسن الحالات، قد تلزمهم المحكمة بنفقة رمزية ليست أكثر من فتات. وبعد ذلك كله، يأتي من يسأل عن أسباب تفشّي الفقر والجريمة، وظهور جيل تائه فقد البوصلة، ولعله لم يمتلكها قط!