04 نوفمبر 2024
عن حمدي قنديل
صحيحٌ أن كتاب الإعلامي المصري الراحل قبل أيام، حمدي قنديل، "عشت مرتين.. سيرة ذاتية" (دار الشروق، القاهرة، 2014) يشتمل على وقفاتٍ عند وقائع وحوادث ومحطاتٍ في حياته، وصحيحٌ أنه كتابُ مذكراتٍ يزيد جمهور الرجل وقرّائه، بل وأصدقاءه أيضاً، بمعرفةٍ أفضل به، وبطرائق تفكيره، وبمصادفاتٍ غير قليلة عبرت في حياته، ومن هذه انتقاله إلى العمل الإعلامي، الإذاعي والتلفزيوني والصحافي، في أثناء دراسته الجامعية في كلية الطب التي غادرها، صحيحٌ هذا وغيره، إلا أن حمدي قنديل كتب ما كتبه بأسلوب سرد الحكايات (أو الحكاوي)، بانتقاء وقائع متتابعة، من محطاتٍ طويلة في حياته المهنية، وسيرته الذاتية، من دون كثير تأمّل، أو توقفٍ عند أي دلالاتٍ أو معانٍ جوهرية، إلا نادراً. ومع تثمينٍ، لا بد من تأكيده هنا، لمراجعاتٍ قليلةٍ بشأن مواقف معينه اتّخذها، أو انتقاده نفسه لأدائه أموراً معينة، وهو ما يحضر في الكتاب مرتين (ربما أكثر؟)، إلا أن ذلك ليس كافياً لإضاءةٍ أوفى على الجوهريّ في التجربة الإعلامية، والسيرة الذاتية، لأستاذٍ مرموقٍ في مقام حمدي قنديل.
ربما كان الخط الذي سلكه الراحل في كتابته مذكراته مناسباً لهوس الصحافة المتعجّلة، والسيّارة، بالحواديت والطرائف الشائقة عن فلان وعلان، سيما من المشاهير، أمثال أنور السادات وعمرو موسى ونجلاء فتحي وغيرهم. وليس لأيٍّ منا أن يُلزم كاتباً ما أراد تدوين مذكّراته بكيفيةٍ معينةٍ لذلك، غير أن من الجائز أن يُشهر واحدُنا وجهة نظرٍ لا تميل إلى استحسان ما اختاره حمدي قنديل، لمّا أقدم على نشر مذكراته، فالأدعى لتجربة مديدة، وثريّة، ومهمة، في العمل الإعلامي في مصر، بل وفي سورية ولبنان والأردن أيضاً في محطاتٍ قصيرة عتيقة، وفي "اليونسكو" أيضاً، وفي غير محطةٍ تلفزيونية عربية (فضائية دبي مثلاً)، والكتابة في صحف ودوريات مصرية وعربية عديدة، الأدعى لهذه التجربة أن يُضاء عليها بمقادير من التأمل والمراجعة، وباستكشاف الجوهري والدال في كل محطة ومناسبة، في موازاة تسجيل الحوادث وتوثيقها، فلا أظنّه كافياً أن يورِد قنديل وقائع من مشاهداته في أثناء حرب اليمن الأهلية في تلك الستينيات الناصرية البعيدة، من دون أن يشحَن استدعاءَه لها، في اللحظة الراهنة، بإطلالةٍ على ما يراها أسباباً لفشل التدخل المصري في اليمن، والذي كان أشبه بورطةٍ، بل وعلى ما يراها قنديل نفسه أسباباً لإخفاق الدولة اليمنية في بناء مشروع وطني جامع، نجد تمثيلات غيابه حاضرةً في المأساة اليمنية الراهنة.
ويصدُق هذا المثال على غير واقعةٍ جاء عليها حمدي قنديل، منها مشاركته في الجهد الإعلامي في سورية في أثناء الوحدة مع مصر، وغير ذلك من وقائع شائقة، سرد عنها الكاتب المجرّب، والشاهد الموثوق، أحداثاً وغرائب غير قليلة، يفيد بعضُها في تفسير أسباب الخراب العربي الراهن. وينكتبُ هذا هنا، وفي البال أن أستاذنا الراحل ليس مفكّراً، وليس سياسياً بالمعنى الحرفي، وإنما إعلاميٌّ انحاز طوال حياته إلى المهنيّة والصدقية معاً، وقد حافظ، ما أمكنه ذلك، عليهما في كل تجاربه. ولذلك، فإن رؤيةً متأملةً منه في محطاتٍ مضت في مصر، وأخرى في غير بلدٍ عربي، كان سيصير لها عظيم الفائدة، وإنْ في البال إنه، في "عشت مرتين..."، حرص على ثبات مواقفه ضد الاستبداد، وخياره الوطني المؤكّد ضد إسرائيل، ومناهضته الفساد والدكتاتوريات. وهو الذي لم يوفر سانحةً أتيحت له للمشاركة في عمل وطني وسياسي وثقافي عام من أجل مصر وأمته العربية، ومن ذلك فاعليّته في تكتلاتٍ مدنيةٍ وجبهويةٍ قبيل ثورة يناير في بلده، وبعدها.
وغير بعيدٍ عن هذا السياق، كان حمدي قنديل صاحب موقف، وصحافياً محترماً، كما في محاورته التلفزيونية غير المنسيّة، مع رئيس سورية الراهن، بشار الأسد، في فضائية دبي. سأله عن اعتقال المعارضين ونقص الحريات، وعن انعدام المقاومة في الجولان المحتل، وجاءت إجابات الأسد عن السؤالين، وغيرهما، دلائلَ مضافةً على محنة سورية به رئيساً. وقد اتخذ قنديل موقفاً معلناً مع الثورة السورية، وانحاز إلى ربيع الثورات العربية، اتّساقاً منه مع مساره في الحياة، منذ شبابه الأول في طنطا، حتى وفاته الأسبوع الماضي، رحمه الله.
ربما كان الخط الذي سلكه الراحل في كتابته مذكراته مناسباً لهوس الصحافة المتعجّلة، والسيّارة، بالحواديت والطرائف الشائقة عن فلان وعلان، سيما من المشاهير، أمثال أنور السادات وعمرو موسى ونجلاء فتحي وغيرهم. وليس لأيٍّ منا أن يُلزم كاتباً ما أراد تدوين مذكّراته بكيفيةٍ معينةٍ لذلك، غير أن من الجائز أن يُشهر واحدُنا وجهة نظرٍ لا تميل إلى استحسان ما اختاره حمدي قنديل، لمّا أقدم على نشر مذكراته، فالأدعى لتجربة مديدة، وثريّة، ومهمة، في العمل الإعلامي في مصر، بل وفي سورية ولبنان والأردن أيضاً في محطاتٍ قصيرة عتيقة، وفي "اليونسكو" أيضاً، وفي غير محطةٍ تلفزيونية عربية (فضائية دبي مثلاً)، والكتابة في صحف ودوريات مصرية وعربية عديدة، الأدعى لهذه التجربة أن يُضاء عليها بمقادير من التأمل والمراجعة، وباستكشاف الجوهري والدال في كل محطة ومناسبة، في موازاة تسجيل الحوادث وتوثيقها، فلا أظنّه كافياً أن يورِد قنديل وقائع من مشاهداته في أثناء حرب اليمن الأهلية في تلك الستينيات الناصرية البعيدة، من دون أن يشحَن استدعاءَه لها، في اللحظة الراهنة، بإطلالةٍ على ما يراها أسباباً لفشل التدخل المصري في اليمن، والذي كان أشبه بورطةٍ، بل وعلى ما يراها قنديل نفسه أسباباً لإخفاق الدولة اليمنية في بناء مشروع وطني جامع، نجد تمثيلات غيابه حاضرةً في المأساة اليمنية الراهنة.
ويصدُق هذا المثال على غير واقعةٍ جاء عليها حمدي قنديل، منها مشاركته في الجهد الإعلامي في سورية في أثناء الوحدة مع مصر، وغير ذلك من وقائع شائقة، سرد عنها الكاتب المجرّب، والشاهد الموثوق، أحداثاً وغرائب غير قليلة، يفيد بعضُها في تفسير أسباب الخراب العربي الراهن. وينكتبُ هذا هنا، وفي البال أن أستاذنا الراحل ليس مفكّراً، وليس سياسياً بالمعنى الحرفي، وإنما إعلاميٌّ انحاز طوال حياته إلى المهنيّة والصدقية معاً، وقد حافظ، ما أمكنه ذلك، عليهما في كل تجاربه. ولذلك، فإن رؤيةً متأملةً منه في محطاتٍ مضت في مصر، وأخرى في غير بلدٍ عربي، كان سيصير لها عظيم الفائدة، وإنْ في البال إنه، في "عشت مرتين..."، حرص على ثبات مواقفه ضد الاستبداد، وخياره الوطني المؤكّد ضد إسرائيل، ومناهضته الفساد والدكتاتوريات. وهو الذي لم يوفر سانحةً أتيحت له للمشاركة في عمل وطني وسياسي وثقافي عام من أجل مصر وأمته العربية، ومن ذلك فاعليّته في تكتلاتٍ مدنيةٍ وجبهويةٍ قبيل ثورة يناير في بلده، وبعدها.
وغير بعيدٍ عن هذا السياق، كان حمدي قنديل صاحب موقف، وصحافياً محترماً، كما في محاورته التلفزيونية غير المنسيّة، مع رئيس سورية الراهن، بشار الأسد، في فضائية دبي. سأله عن اعتقال المعارضين ونقص الحريات، وعن انعدام المقاومة في الجولان المحتل، وجاءت إجابات الأسد عن السؤالين، وغيرهما، دلائلَ مضافةً على محنة سورية به رئيساً. وقد اتخذ قنديل موقفاً معلناً مع الثورة السورية، وانحاز إلى ربيع الثورات العربية، اتّساقاً منه مع مساره في الحياة، منذ شبابه الأول في طنطا، حتى وفاته الأسبوع الماضي، رحمه الله.