عن خمور إسرائيلية في الإمارات
كان الظنّ أن أنظمة التحالف والتطبيع العربية مع إسرائيل قد شلعت عن نفسها ورقة التوت الفلسطينية، ولم تعُد في حاجةٍ إليها، ولكن ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، في مقابلة صحافيٍّ أميركيٍّ معه، بمناسبة منحه، قبل أيام، "جائزة رجل الدولة الباحث" (!) من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى (أسّسته اللجنة الأميركية الإسرائيلية "إيباك")، عندما يسرد أسباب إقامة بلاده السلام مع إسرائيل، نجد أولَّها أنه سلامٌ من أجل الفلسطينيين. وعلى الرغم من انكشاف سفاهة أزعومة الحاكمين في أبوظبي، منذ أزيد من عام، إن اتفاقيتهم مع إسرائيل هي التي أوقفت خطة الأخيرة ضمّ أراضٍ في الضفة الغربية، إلا أننا نصادف وزير الدولة الإماراتي، خليفة شاهين، يزيد ويعيد في هذا الكلام، مجدّدا، في منتدىً في أبوظبي الأسبوع الماضي. أما عجيب العجائب فهو قول رئيس غرفة تجارة دبي، عبد العزيز الغرير، إن استيراد بلاده منتجاتٍ إسرائيليةً مصنّعةً في مستوطناتٍ في الضفة الغربية سيساعد على تعزيز الاقتصاد الفلسطيني. وربما لا يعرف هذا ما هي المستوطنات، وقد يكون مستوى ثقافته كما التي لدى سفير بلده في دولة الاحتلال، محمد آل خوجة، الذي فاجأه "بناء" الإسرائيليين مسجدا في تل أبيب، فيما المسجد موجودٌ قبل اختلاق إسرائيل بثلاثة عقود.
وفيما طالبت المحكمة العليا للاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، دول الاتحاد بوضع إشاراتٍ على المواد المنتجة في المستوطنات الإسرائيلية تفيد بذلك، ما أغضب إسرائيل، وزعمت إن الحكم "تمييزي ومسيّس"، وفيما كانت إيرلندا قد أقرّت قانونا يحظر استيراد منتوجات المستوطنات، نلْقى أن دولة الإمارات أصبحت سوقا لخمور الاستيطان الإسرائيلي، كما ذكّرتنا مقالةٌ حسنةٌ نشرها موقع "موندوز" الأميركي، لكاتبته ماريون قوّاص، وذلك بمناسبة أن زجاجات النبيذ القادمة من مستوطناتٍ في شمال فلسطين، ومن أخرى في هضبة الجولان، تحتلّ رفوف متجرٍ في جناح إسرائيل في "إكسبو دبي 2020"، المعرض العالمي الذي كانت حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) قد دعت إلى مقاطعته. وليس منسيا أن مجلسا يضم ممثلي 30 مستوطنة عقد اتفاقياتٍ تجاريةً، قبل نحو عام، تستورد بموجبها شركة إماراتية (اسمها فام) منتجاتٍ من شركات هذه المستوطنات ومصانعها التي أقيمت على أراضٍ مصادَرةٍ من مالكيها الفلسطينيين. وإلى الطحينية وزيت الزيتون والعسل، يتم استيراد النبيذ والخمور، من شركةٍ في مستوطنة إيتمار، على أراضٍ لسكان قرى عورتا وبيت فوريك وعقربا في محافظة نابلس، هي من بين 112 مصنعا وشركة في المستوطنات الإسرائيلية أدرجتها الأمم المتحدة ضمن قائمةٍ سوداء، استنادا إلى اعتبار الاستيطان غير قانوني.
مؤكّدٌ أنهم في الإمارات لم يُلقوا بالا للذي انكتب في "موندوز"، وفيه إن التربّح من جرائم الحرب والفصل العنصري الإسرائيلي خطأ أخلاقي، ولا لما نقلته المقالة عن نشطاء يعملون على مقاطعة الاحتلال قولهم إن اتفاقيات أبراهام خيانةٌ للشعب الفلسطيني، ومحاولةٌ للاستفادة من معاناته. مؤكّدٌ أن الأهم من الاكتراث بهذا الكلام قول الرئيس التنفيذي لشركات نبيذٍ في الجولان عن حماسه لأن تكون الخمور الإسرائيلية (المنتجة في المستوطنات) متوفرةً لسكان الإمارات وضيوفها. ومؤكّدٌ أنه صحّ ما توقعه صحافي إسرائيلي، عند توقيع عقود مجلس المستوطنات ذاك مع الشركة الإماراتية، إن الجميع سيشهد قصة حبٍّ يتجاوز الحدود بين أبوظبي والدولة العبرية. ومن شواهد بلا عددٍ على هذا أنهم في تلك الاتفاقيات لم يغفلوا عن توريد الحمّص المجفّف عالي البروتين، وأن الصندوق القومي اليهودي يشارك، مع 17 وزارة إسرائيلية، في "إكسبو دبي.."، وهو الذي رصد 1.2 مليار دولار، أخيرا، لتوسيع المستوطنات، وتنفيذ مشروعات بنية تحتية فيها.
مؤكّدٌ أن بشّار الأسد لم يستوضح من ضيفه وزير خارجية الإمارات، عبدالله بن زايد، قبل أيام، عن البواعث التي تجعلهم في أبوظبي ودبي لا يستطيبون في بلدهم من الخمور الإسرائيلية إلا المُنتَجة في المستوطنات في هضبة الجولان السورية المحتلة والضفة الغربية. ومؤكّد أن بشّار، إذا صحّ أنه في صدد تلبية دعوةٍ تلقاها ليفتتح جناح سورية في "إكسبو دبي"، لن يُلقي على مستضيفيه هناك هذا السؤال الذي تأتي عليه هذه السطور تذكيرا بما هو معلومٌ وذائع، كما فعلت مقالةٌ في موقع إلكتروني أميركي.