عن سقوط طفل في جورة
نشرت صحيفة سورية محلية خبراً عن سقوط طفل في جورة للصرف الصحي، بإحدى مناطق إدلب. الأفضل، في مثل هذه الحالة، أن يبقى التعليق على الخبر في إطار الدول المتخلفة، فمن نافلِ القول أن هذا الأمر، لو وقع في مدينة أوروبية، لأدّى إلى استقالة العمدة، والحكومة المحلية، ولتحرّك القضاء لمحاكمة مسبّب هذه الكارثة، وسجنه، ولدفعت مؤسسات التأمين مبالغ كبيرة لأهل الطفل، ثم أُلزمت مديرية الطرقات باتخاذ إجراءاتٍ إضافية، تمنع وقوع مثل هذه الحادثة في المستقبل، على نحو قاطع.
أحياناً، يكون ترك الجورة من دون غطاء، ناتجاً من الإهمال. ولكن، لا بد من الإشارة إلى أن تلك المناطق أصبحت محكومةً بالفوضى، ولم يعد للإهمال مكان فيها، فثمّة مَن يأتي في الليل، أو حتى في وضح النهار، إلى غطاء الجورة المعدني (الريغار)، ويقتلعه، عامداً متعمّداً، ويأخذه إلى داره، وعندما تتجمّع لديه كمية من الريغارات، يبيعها بالكيلو. وثمّة، بالطبع، مَن يشتريها من اللصوص، ويبيعها، بدوره، لمعمل لصهر الحديد. وهكذا يمكننا تلخيص منجزنا الحضاري الحالي، بأن الغرب الاستعماري، الإمبريالي، الحقير، يأتي بالحديد الخام، ويصنع منه ريغارات لفتحات الصرف الصحي، ويبيعنا إياها بالعملة الصعبة، ونحن نصهرها، فنعيد الحديد إلى طبيعته الأولى، الخام!
انتبه اللصوص العاديون، واللصوص السياسيون، خلال السنوات الأخيرة، إلى أن في داخل الأشرطة الكهربائية البلاستيكية التي توصل الكهرباء إلى البيوت والمعامل، أسلاكاً رفيعة من النحاس الأصفر اللمّيع. وعندما أعملوا عقولهم في الأمر، وجدوا أن هذا إسراف وتبذير، لأن النحاس ذو قيمة لا يُستهان بها، فهبّوا لاستخراجها (نسلها) بروية، ولفّوها في بكرات، وباعوها بالكيلو، أيضاً. ولو أنك، يا عزيزي القارئ، خاطبتهم قائلاً: أنتم، بفعلتكم هذه، تُجبرون الناس على العيش في ظلام دامس، لأتوك بما يثبت لك، بالدليل القاطع، أن ضوء الشموع الخافت، أفضل للإبصار من النور المبهر، الذي يتسلّل إلى قعر شبكية العين، ويصدمها، مسبّباً لها الأذى، ووقتها ستضطر إلى زيارة طبيب مختصّ بالأمراض العينية، وهذه الزيارة تكلف، في ظل هذه الظروف الحالية، المبلغَ المرقوم.
تداولَ الناس، في قديم الزمان، حكاية تلخص عمل مؤسّسات الدولة البيروقراطية المتخلفة، وهي: أن سائحاً أوروبياً كان يزور مدينة سورية كبيرة، ومرّ في شارع عريض، فرأى السيارات، والبيكآبات، والتركتورات، والطريزينات، تسير في اتجاه واحد، ثم يضطر بعضُها إلى أن ينعطف يميناً، وبعضها الآخر ينعطف يساراً، لكيلا تصطدم بشيء موجود في وسط الشارع، وهو حفرة بعمق مترين تقريباً، وبجوارها سور صغير، مبني بطريقة عشوائية، يقف بالقرب منه جنديان، يحملان بارودتين روسيتين (كلاشينكوف). وفوق هذا البناء العشوائي يوجد سلّم معدني، مطعوج بطريقة بارعة، الهدف من وجوده وصلُ الجورة بنافذة منزل كائن في الطرف الأيمن، وثمّة حبال تتدلى من نافذة ذلك المنزل إلى الأسفل، ربطت نهاياتها بطرف السور الصغير.
ارتفعت نسبة الفضول عند السائح، فتقدّم من مجموعة شبّان كانوا يسندون ظهورهم إلى حائطٍ قريب من المكان، وسألهم عن طبيعة هذا البناء، فقالوا له إن أحد المواطنين مرّ من هنا، قبل نحو ثلاثين سنة، فشاهد هذه الجورة، وبجوارها ثلاثة أحجار مبنية على شكل قاموع، وفوق القاموع فانوس، الهدف من وجوده تنبيه الناس المارّين من هنا، لكيلا يسقطوا في الجورة. وجاءت البلدية، مشكورة، وعينّت موظفاً لتزويد الفانوس بالكاز، وتغيير اللمبة عندما تنكسر بفعل الرياح، ولكن هذا الإجراء، كما ترى، بدائي جداً، وعندما مات القائد القديم، جاء القائد الشاب منتهجاً التطوير والتحديث، وأتت البلدية، وشقّت هذا الطريق، وعبّدته، ووضعت عليه حرّاساً، يتناوبون ثلاث ورديات، وحتى لا يعوق تبديلهم السير، فقد نُصب هذا السلم الموصل إلى غرفة القيادة، الموجودة في هذا المبنى، والطعام والماء يُرسل إلى الجنود المناوبين بواسطة هذه الحبال.