عن عبد المنعم أبو الفتوح
قال الروائي المصري، صنع الله إبراهيم، في مقابلةٍ معه في برنامج "زيارة خاصة" في قناة الجزيرة، في العام 2006، وهو الكاتب الشديد اليسارية، ومن السجناء الشيوعيين إبّان حكم جمال عبد الناصر، إن علاقة (غير قوية) تجمعه مع عضو مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين (في حينه)، عبد المنعم أبو الفتوح، ووصفه بأنه "يفكّر بطريقةٍ رائعةٍ، ومتنوّر، وأفقُه واسع". وإذ يتخذ الكاتب المعروف موقفا مناوئا للرئيس عبد الفتاح السيسي، منذ سنوات، بعد حماسٍ كثيرٍ له، لمّا تم إنهاء حكم جماعة الإخوان الذين أرادوا "تحويل مصر إلى دولةٍ وهابيةٍ متخلفة"، بتعبيره، فإن المأمول منه أن يجهر بصوتٍ عالٍ من أجل إنقاذ أبو الفتوح الذي يتم اضطهاده بكيفيّةٍ مروّعة في سجن طُره سيئ الصيت منذ أزيد من ثلاثة أعوام، بل وأن يطالب، وغيرُه من نخبٍ مثقفةٍ عريضةٍ في مصر، بإنقاذ آلافٍ من المعتقلين، أصحاب الرأي والناشطين، في السجون، سيما وأن مئات منهم قضوا فيها. ولكن الملحوظ الظاهر أنه لا صنع الله، ولا غيرُه (إلا قلة نادرة من الحقوقيين) من أهل الأدب والثقافة والرأي في مصر، يأخذون هذه القضية الإنسانية والحقوقية والأخلاقية، بل والوطنية أيضا، إلى صدارة أولوياتهم. وهذا أمرٌ بالغ الأسى في مصر التي طالما أدّت نخبتها الوازنة، في أزمنةٍ مضت، أدوارا متقدّمةً في شؤونٍ كهذه وأخرى غيرها.
ليست مناسبة الإتيان هنا على اسم عبد المنعم أبو الفتوح (70 عاما)، من بين آلافٍ مظلومين في سجون الحكم الراهن في مصر أن النيابة العامة فطنت، الاثنين الماضي، إلى توجيه اتهامات له، بعد كل هذه المدة، وهو الذي جرى اعتقاله من مطار القاهرة لمّا كان عائدا إلى بلده من الخارج، في فبراير/ شباط 2018، وإنما المناسبة أن هذا الرجل الذي كان الرابع بين 13 مرشّحا في نتائج انتخابات الرئاسة المصرية في العام 2012، وصوّت له أكثر من أربعة ملايين مصري، أنه طَرَق، قبل أيام، باب الزنزانة المحتجز فيها، لطلب مساعدةٍ طبيةٍ من الحرس، ولم يكترِث له أحد، على ما نقلت مقالةٌ ممتازة لكاتبها الحقوقي، عمر مجدي، نشرتها مجلة فورين بوليسي أخيرا. وأبو الفتوح طبيبٌ (وزوجته كذلك)، وقد امتنعت السلطات تلبية طلبه إجراء عمليةٍ في البروستاتا كانت مقرّرة له قبل مدة. وهو، على ما نقلت "هيومان رايتس ووتش" عن عائلته، يعاني من ارتفاع ضغط الدم ومرض السكري، وكذلك من انزلاق غضروفي.
شديد الوجوب والضرورة أن تنهض حملةٌ نشطة، مصرية عربية عالمية، عنوانُها إنقاذ حياة عبد المنعم أبو الفتوح، تكون مناسبةً للتذكير بأحوال مرضى عديدين في سجون مصر، وبأوضاع عموم المعتقلين الذين تحترف السلطة طبخ اتهاماتهم بما يشيع، أحيانا، الضحك الذي كالبكاء، من قبيل الاتهامات الخمسة التي أعلنتها النيابة العامة، أخيرا، ضد الأمين العام الأسبق لاتحاد الأطباء العرب، الرئيس العتيق لاتحاد طلاب جامعة القاهرة، الأمين العام السابق لنقابة الأطباء المصريين، ومنها "حيازة أسلحة وذخائر"، و"ترويج أفكار جماعة إرهابية". ومعلومٌ أن الرجل كان يقيم في بلده بشكلٍ عادي، حتى في غضون الهمّة النشطة للسلطة في زجّ كل الإخوان المسلمين في السجون (أحدهم الطبيب عصام العريان الذي لقي وجه ربه في السجن عن 66 عاما). وهو الذي غادر الجماعة وغادرتْه لمّا انفرد بقرار ترشّحه في انتخابات الرئاسة، ثم أسّس حزب مصر القوية الذي يضم إسلاميين ويساريين وليبراليين. ومعلومٌ أن خطفه من المطار إلى الحبس الانفرادي أولا، كان بسبب ما قاله من كلامٍ بالغ العادية، من لندن، لقناة الجزيرة وتلفزيون العربي. وليس من غضاضةٍ هنا أن يذكّر هذا العُسف الذي يتعرّض له هذا الطبيب والسياسي النشط اللامع بأن المعارض الأردني العتيد، ليث شبيلات، شهورا قبل واقعة أبو الفتوح تلك، تعرّض بتجرؤٍ للملك عبدالله الثاني، في مقابلةٍ مع فضائية الميادين، من بيروت، ولمّا عاد إلى عمّان مضى إلى منزله من دون أي سؤالٍ له.
لم يفتئت عمرو مجدي في مقالة "فورين بوليسي" على الحقيقة، لمّا كتب فيها إن السيسي يترك المرضى يعانون ويموتون في سجونه. وقد جاءت المقالة على عدة أسماء معلومة لمتوفين في هذه السجون، وقد كتبنا، في "العربي الجديد"، وغيرنا في منابر أخرى، عن فظاعات في هذه السجون، وعن الشاب شادي حبش (24 عاما) وغيرِه ممن قضوا فيها، لكن المقالة هاته تدعو إلى حملة نشطة من أجل إنقاذ عبد المنعم أبو الفتوح، حماه الله وشافاه. وأيضا، لتذكير صنع الله إبراهيم بأفقٍ واسعٍ وتفكيرٍ رائعٍ يقيم عليها هذا الرجل المحترم.