عن هجوم حمص
قرابة الساعة الثانية وخمس دقائق عصر يوم الخميس، 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أعلنت وسائل إعلام النظام السوري، وصفحات إعلامية موالية له، عن هجوم بطائراتٍ مسيّرة محمّلة بذخائر متفجّرة، استهدفَ حفل تخريج طلاب ضباط الكلية الحربية في حمص، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى من الضباط الخرّيجين وأفراد عائلاتهم وذويهم والمشاركين في الحفل. والمعلومات عن الهجوم الدموي شحيحة للغاية، ولا تكفي، من دون شك، لتحليل ما حصل وتفسيره، لكن الأسئلة والالتباسات والشكوك كثيرة بشأن سلوك نظام الأسد في التعامل مع الحدث الذي فجع مئات العائلات من السوريين.
كيف تعامل النظام السوري مع الهجوم؟ إعلان سريع متسرّع منذ اللحظات الأولى عن هجوم بطائرات مسيّرة قامت به "التنظيمات الإرهابية المسلحة المدعومة من أطراف دولية"، رغم أن أيّ جهةٍ لم تعلن مسؤوليتها عن الهجوم... لا إعلان عن أي أدلّةٍ تثبت رواية النظام عن ضلوع فصائل المعارضة في الهجوم. لا صور لحطام أو شظايا المسيّرات المهاجمة التي قال الإعلام الرسمي إنه أسقطها بعد تنفيذها الهجوم! لا صور لعلامات أو حفر ناتجة عن تفجير في مكان الهجوم تدلّ على قنابل سقطت من الجو. لا إعلان عن فتح تحقيق بملابسات الهجوم!!
لا محاسبة لأي من مسؤولي النظام عن الإهمال في حماية منشأة تستضيف حفلاً جماهيرياً وحدثاً مهماً ذا طابع عسكري. لا تفسير ولا محاسبة عن إهمال أجهزة النظام الأمنية والعسكرية تحذيرا مسبقا لمركز المصالحات الروسي في حميميم من مخطّط لفصائل جهادية، سماها بالتحديد، الحزب الإسلامي التركستاني وتنظيم أنصار التوحيد، لمهاجمة قواعد عسكرية روسية وسورية بطيران مسيّر.
لا إعلان أو تفسير لفشل وسائط الدفاع الجوي السورية والروسية في اكتشاف المسيّرات قبل الهجوم، وفشلها في منع تنفيذه.
لا تفسير لفشل وسائط الدفاع الجوي السورية والروسية في اكتشاف المسيّرات قبل الهجوم
غابت عن العرض على منصّات إعلام النظام كافة أي مشاهد يفترض أن وسائل الإعلام التي حضرت حفل التخرّج قد صورتها، وهو ما لا يحصل عادة في حفلات تخرّج الضباط، حيث جرت العادة على تغطية الفعالية باهتمامٍ كثير، خصوصا أنها تجرى بحضور رسمي عسكري سوري، وممثلين عن جيوش دول حليفة للنظام، في حين لم تبرز للإعلام هذه المرّة، ولم يجر تداول إلا مقاطع مصوّرة بهواتف محمولة، ركزت على الضحايا في ساحة الكلية!.
ما الذي فعله النظام؟ تنفيذ قصف همجي واسع على مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري، تركّز القصف الجوي والصاروخي والمدفعي على المناطق المدنية والمراكز الحيوية، من دون تسجيل استهدافات مؤكّدة لمواقع تمركز قوات المعارضة. انطلق القصف بعد دقائق من الهجوم على الكلية الحربية، بمشاركة الطيران الروسي، ما يؤكّد أن حملة القصف الوحشي لا ترتبط بأدلة ولا دلائل على ضلوع فصائل المعارضة بالهجوم على الكلية الحربية، ولا بهدف إيقاع خسائر في قوات فصائل المعارضة، بل في صفوف المدنيين.
هذا بعضٌ مما يقتضي الأمر مواجهة مؤيدي نظام الأسد به، وقادة الدول الداعمة له، وخصوصا التي تواصل مسؤولوها مع قادة النظام لتقديم المساندة بعد الهجوم، من دون أي إدانة أو لفت نظر إلى جرائم استهداف المدنيين بحملة القصف الوحشية التي أسفرت، في حصيلة أولية، عن عشرات الضحايا في مناطق سيطرة المعارضة السورية، وموجة نزوح لآلاف من السوريين الذين سبق أن شرّدهم النظام وأخرجهم من مناطق سكناهم إلى مخيمات النزوح في الشمال!.
وقبل السؤال عن الجهة أو الجهات المنفّذة والمستفيدة من الهجوم، يجدر السؤال: هل تتعامل "الدول" هكذا مع استحقاقات خطيرة مفجعة كهذا الهجوم؟