فتح وحماس وبعبع
استشعر السوريون الخطر، بعد أن فقد كثيرون إقاماتهم المؤقتة في منازح التواصل الاجتماعي، وعوقبوا بالحظر، فإمبراطور "فيسبوك" فرش مملكته الزرقاء بالألغام والخوارزميات، وهي تنفجر بكل من ينطق اسم "حماس" أو القدس، فنزعوا إلى التنكّر واستخدام الغنوصيات والرموز وحساب الجمل.
يقول الباحث الموسوعي عبد الوهاب المسيري: إن الغرب ورث الرموز والاختصارات من الغنوصية اليهودية، والغنوصية هي العرفان باللغة العربية، والعرفانُ العلم الدني. وإنّ أسماء المنظمات والأحزاب والشركات اتخذت الأحرف الأولى من أسمائها، مثل الفيفا والفيتو واليونيسف، اختزالًا، وقيل للسهولة. وأظنُّ أن الأحزاب الفلسطينية هي أدهى الأحزاب العربية، وقد أحسنت اقتباس الرموز من اليهود، فجعلت للرمز معنىً يسهل حفظه. والرمز نوعان؛ فإما رمز بالحروف الأولى، أو رمز برسوم الكائنات والأمتعة والآلات. ذكر أحمد ياسين، في شهادته على العصر، حكاية اختيار اسم الحركة المقاومة الإسلامية ومختصر اسمها، حتى صار حماس، وصفة المقاومة حديثة، ويقابلها الجهاد في المصطلحات الإسلامية. وقد خالف الشيخ ياسين معهود الاختصارات، وطفّف المكيال والميزان، فأخذ حرفين من صفة الإسلامية في اسم الحركة. وأغلب الظنِّ أن الحركة تعلمت فن العوم من معلمتها فتح، حركة التحرير الفلسطينية، وهي السابق والمعلم في مضمار الرموز، ومعلمتها إسرائيل. وكانت "فتح" قد قلبت ترتيب القراءة في رمز أحرف اسم الحركة، فكرّت عليه من الدبر ليس كما في معهود الرموز، فكان رمزها فتح بدلًا من حتف، ويشهد كثيرون أنها حركةٌ عجوز.
ولعت الأبوجية، أتباع أوجلان بالاختصار، فأنشأت "بككه" و"بيدا" و"يبكه"، سبقهم كرد العراق في التراميز، مثل "بدكه" وهو الحزب الديمقراطي الكردستاني، و"ينكه" وهو الاتحاد الديمقراطي الكردستاني. وقد وُفّق مؤسسو حركة أمواج المقاومة اللبنانية في الاسم والرمز والشاعرية، حتى خرق رئيسها جدار الزمن، فرئيس الحركة هو رئيس البرلمان منذ أربعين سنة، ولم يسبقه أحدٌ في المكوث في صندوق البرلمان سوى سلحفاة الملك فاروق، رحمه الله، التي ماتت قهرًا وحسدا من جمع نبيه بري بين الانتجاع على أمواج الساحل ورئاسة البرلمان، وسبقه سوبرمان وبات مان وسبايدرمان وأم درمان.
لم يجد حزب البعث العربي الاشتراكي ضرورة عند الإنشاء في البحث عن جمال الاسم الرمزي، وانتهى به الأمر أن اختصر كثيرًا، كأنه فصّ ملح وذاب، وصار الأسد هو رمز الحزب ورمز سورية ورمز الثورة العربية.
الثقافة العربية ثقافة البيان والجلاء، نأت عن العرفانية والسحرية، وإن جعلت البلاغة في الإيجاز. ولا أعرف عند المحدثين والرواة والإخباريين اختصارًا شهيرًا سوى "ثنا" عن حدّثنا، وليس بذي شأن. والرواة العرب مصنّفون موسوعيون، للواحد منهم مئات التصانيف، ويحتاجون إلى الرموز، لكنهم لم يفعلوا. الغنوصية العرفانية غير البديع العربي.
لكل حزب مغربي اسم ورمز، على شاكلة رمزي حزبي أميركا الشهيرين؛ الفيل والحمار. والتفسير أنها آثار الطواطم الموروثة عن المرحلة البرّية، وللدول المعاصرة رموز طوطمية؛ أستراليا رمزها الكنغر، وفرنسا الديك. وقد اختارت دول عربية رمز النسر، مثل سورية والعراق ومصر، والنسر طائرٌ يحلق عاليًا، لكنه من الحيوانات القمّامة.
اختارت بعض الأحزاب المغربية آلاتٍ رمزًا لها، مثل الإبريق والساعة والمحراث. ولم ينتشر، حسب علمي، رمز سوري حروفي، مثل رمز المؤسسة العامة الاستهلاكية التي كانت توزع حصصًا من الزيت والسكر في الزمن الجميل على دفترٍ حلّت محلّه البطاقة الذكية، تبلّغ الحكومة المواطنين بالأهلة ومواقيت الحج إلى معمل الغاز لاستلام جرّة الغاز الذهبيّة، وكان رمز المؤسسة العامة الاستهلاكية هو "معا"، لكن الرسم الفني للاختصار كان "ماع"، وسلام الله على الأغنام.
لم ينتشر مختصر لاسم حركة سياسية مثل داعش بنت المحظوظة، والسبب حبُّ الميديا العالمية للإسلام، وكان داعش يعاقب رعاياه بالجَلد على اختصار اسمه. حاول سوريون الانتقام من حزب الله، الذي خان اسمه، وهو المقاومة الإسلامية في لبنان، فقاوم في سورية، فأطلقوا عليه اسم حالش، فلم يحالفهم الحظ، لأنَّ صاحب التسمية الهجائية أضاف صفة الشيعي لاسم الحزب ظلمًا. وحالش كان يقتل، أما داعش فكان يسبي النساء، والسبايا رغبة دفينة عند بعضهم، فوصموه بذلك الاسم الحقير حسدا وغيرةً، يا منيرة.