09 نوفمبر 2024
فلسطين وكارثة التعليم العربي
يستعصي عليك العثور على المفردة المناسبة لنعت ما يستقر في أفهامك، بعد اطلاعك على الأبحاث والأوراق التي أنجزها خبراء ومختصون وتربويون بشأن حضور القضية الفلسطينية في المقرّرات التدريسية الرسمية العربية، وعُرضت خلاصاتها في جلستين من أعمال المؤتمر الخامس للدراسات التاريخية "سبعون عاما على نكبة فلسطين.. الذاكرة والتاريخ"، والذي عقده الأسبوع الجاري في الدوحة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. المرجّح أنك ستحتار في اختيارك نعوت الفضيحة أو الكارثة أو المصيبة، غير أنك سترى الأنسب أن تجمع هذه كلها، وما يطرأ على بالك من مترادفاتٍ متصلةٍ بها، وترمي بها ما صرت تعرفه من بؤسٍ شديدٍ في حضور القضية الفلسطينية في مناهج التدريس العربية الرسمية (ماذا عن المدارس الأجنبية ومقرّراتها؟). ربما سيغشاك شعورٌ بأن تباريا نشطا كان يخوضُه، بهمةٍ مشهودةٍ، أهل القرار في تزييف المحتوى الفلسطيني، والتلاعب في مصطلحاته، في هذه المناهج وإجراء التعديلات المتتالية عليها، ما ينجم عنه إحداث تشوهاتٍ عميقةٍ في حضور فلسطين في مدارك التلاميذ العرب وعقولهم.
من دون كلامٍ كثير، الحال مخزٍ إلى حد كارثي ويبعث على الفزع. وهنا، يجدر رفع القبعة للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، لمبادرته العلمية، غير المسبوقة بشموليّتها، إلى تشخيص هذا الحال بكل تفاصيله، وتقديم كل الجوانب المتعلقة به في كل البلاد العربية (بلا أي استثناء)، وذلك، أولا، في تكليف المركز خبراء عرب في قطاعات التعليم الحكومي، ليضيء كل منهم الصورة كما هي في بلده. وثانيا، في جمع أوراقهم وبحوثهم في مقطعٍ عربي واحد. وثالثا في توفير خلاصات ما انتهوا إليه، ولو باقتضابٍ، أمام مؤتمر أكاديمي منشغلٍ بالنكبة الفلسطينية على صعيدي الذاكرة والتاريخ، وكأن ثمّة إيحاءً مضمرا هنا يؤشّر إلى عدوانٍ خطيرٍ ترتكبه الحكومات العربية على ذاكرة الأمة وتاريخها. وليس في هذا الزعم إنشاءٌ عاطفيٌّ أو تزيّدٌ كلامي، فقضية فلسطين ليست فلسطينيةً فقط في وجدان الأمة العربية، من نواكشوط إلى المنامة. والمرتقب من المركز العربي، إذ نهض بمهمةٍ معرفية شجاعةٍ وبالغة الأهمية، أن يضمّ الأوراق التي أنجزها الباحثون والمختصون من مصر والأردن وعُمان والعراق وقطر وسورية ولبنان وفلسطين و..، في كتابٍ. علم صاحب هذه الكلمات أنه سيشتمل على تقرير موسع، يتوفر على تحليلٍ وافٍ للنتائج الأبرز لهذه الأوراق، وهي نتائج صادمة، ولا حرج في تكرار التأكيد السابق أعلاه أنها مفزعة. والمنتظر من أهل الإعلام والميديا، ووسائطهما التقليدية والجديدة، أن ينشطوا في تعريف الجمهور العربي العريض بأرطال الكارثيّ في هذا كله.
ما يبعث على الحنق في تناقص حضور فلسطين وقضيتها في مقرّرات التدريس العربية الرسمية أنه مضطردٌ ولا يتوقف، وغالبا ما يتم مرفقا بعمليات تعديل مفاهيم وطمسها وتزييف معلوماتٍ ودسّ أكاذيب ومرويات مجتزأة. والأرجح أن ذلك كله، وغيره كثير، ظل يتم تحت يافطة تطوير التعليم وتحديث المناهج وطرائق تدريسها، وغير ذلك من كلام تتوالى الشواهد على كذبه. ويحدث هذا في غير بلد عربي بإشراف خبراء أجانب يتبعون أحيانا شركات ذات أهواء سياسية معادية لفلسطين والعرب، وإذا لم يؤتَ بهؤلاء وأمثالهم لأداء هذه المهمة، ثمّة في بلدانٍ أخرى من أهلها من هم على كفاءةٍ في تأدية هذا الدجل المكشوف. وتستوي في هذا كله، وإنْ بدرجاتٍ، حكوماتُ الأنظمة التي تخلع على نفسها صفة التقدمية والأخرى الموصوفة بالرجعية، فقد تم في كتب المقرّرات الدراسية الحالية في سورية حذف أغلب الموضوعات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، خصوصا في صفوف التعليم الأساسي. وفي الإمارات، تم تقليص حضور فلسطين وقضيتها في مناهج التدريس بشكل حاد وكبير في العام الدراسي 2007 – 2008، غير أن العام الحالي 2017- 2018 عرف تخفيضا آخر، فصار هذا الحضور في إشاراتٍ عابرة. وفي موريتانيا، جرى محو القضية الفلسطينية من مناهج الصفوف الخامس والسادس والسابع، واستبدالها بقضايا السلام مع إسرائيل، كما جرى إلغاء نصوصٍ رئيسيةٍ عن فلسطين في كتب القراءة، وتم تعديل جذريٌّ لموضوعات كتب التاريخ المدرسية، وبحسب الورقة الخاصة بهذا البلد العربي، فإن التعديلات التي تمت تكاد تتّسق مع الرؤية الصهيونية.
الموضوع بالغُ الغنى، ومثيرٌ إلى مرتبةٍ مهولة.. ومقصد هذه المقالة مجرد لفت انتباهٍ إليه، وإلى المنجز البحثي الجديد الذي بادر إليه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وإلى فزعٍ من هول الكارثة الصادمة في أمر فلسطين في مقرّرات التدريس الرسمية العربية.