في الجدل بشأن مهرجان جَرَش
أثار خبر إقامة مهرجان جَرَش للثقافة والفنون (24 يوليو/ تمّوز - 3 أغسطس/ آب) جدلاً كثيراً في الشارع الأردني، في ضوء الأحداث المؤلمة التي تشهدها المنطقة، والظروف شديدة القسوة غير الإنسانية التي يعيشها أهلنا الصامدون في غزّة الذبيحة. وقد انقسمت الآراء والمواقف بين مُؤيّدٍ ومُعارِضٍ لقرار إقامة المهرجان في ظروف حرب الإبادة الغاشمة، التي يشنّها الكيان المُغتصِب على شعب أعزل قَتَل وشرّد وجوّع واعتقل أبناءه، فيما قوى الظلم والعدوان تواصل دعمها غير المشروط تحت عناوين مُنحازةٍ زائفةٍ لهجمةٍ وحشيةٍ جائرة، استهدفت الأطفال والنساء والشجر والحجر، وقد حاولت إدارة المهرجان تصويب المسار بما يَنسجِم مع نبض الشارع الأردني المُشتبِك والداعم والمناصر للأهل في تغريبتهم الجديدة، وبما يتوافق مع الموقف الرسمي الأردني المُنسجِم مع تطلعات الأردنيين إلى وقف المجزرة ونصرة أهلنا في غزّة بالطرق الممكنة كلّها، سواء من الناحية اللوجستية من تقديم التبرّعات، والرعاية الصحّية بإيفاد الأطباء وطواقم التمريض والإسعاف، وكذلك من ناحية الأداء الحكومي الرسمي في المحافل الدولية، الذي يعمل في نقل معاناة الغزّيين، وفضح ممارسات العدوّ الصهيوني، وكشف نفاق الغرب وتبديد أكاذيبه حول مفاهيم العدالة والحرّية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
قال مدير المهرجان، أيمن سماوي، في بيان صحافي "إنّ الدورة الثامنة والثلاثين للمهرجان ستحمل شعار (ويستمرّ الوعد) عوضاً عن الشعار القديم (ويستمرّ الفرح)، ذلك أنّ الفرح قد عزّت أسبابه في لحظتنا الراهنة"، لافتاً إلى أنّ "الدورة الحالية، وانطلاقاً من هذا العنوان العريض ستكون مختلفة ومميّزة"، وهي بمثابة "استمرار للتضامن الأردني مع أهلنا في فلسطين في ظلّ العدوان الغاشم على قطاع غزّة". وأشار سماوي إلى أنّ "المهرجان سيشهد فعّاليات فلسطينية عديدة، وقد اقتصرت حفلات المسرح الجنوبي على حضور عدد من الفنانين الملتزمين إضافة إلى فِرَق شعبية تمثّل فلكور وتراث بلادها"، مؤكّداً حرص إدارة المهرجان على "رفع نصاب الثقافة من خلال الشعر والفنّ التشكيلي والندوات الفكرية المُتخصّصة"، وهي نقطة تحسب لإدارة المهرجان.
ولما سلف كلّه، يبدو اعتذار عدة شعراء أردنيين عن المشاركة ومقاطعة المهرجان، غير مفهوم، ولعلّه ينطوي على تقليل من قيمة الثقافة والفنون والشعر باعتباره شكلاً تعبيريّاً مقاوماً إنسانياً، ضرورياً في هذا الظرف بالذات. وعوضاً عن المقاطعة كان عليهم استثمار المنبر الجَرَشي للتعبير عن مواقفهم ومشاعرهم إزاء ما يحدث في الساحة الفلسطينية من أهوال، وإن كنت أتحفّظ على دعوة الشاعر أدونيس، من دون التقليل من أهمّيته الشعرية والفكرية، غير أنّه كان دائماً شاعراً نُخْبَويّاً لم يحقق جماهيرية، علاوة على مواقفه السياسية المُثيرة لغضب كثيرين إبّان الثورة السورية، ورأى بعضهم فيها انحيازاً طائفيّاً فجّاً ومُستهجناً، وتَنكُّراً لحقوق الأحرار وعذابات المُضطهَدين. وينطبق الأمر على المغنية فايا يونان، وغيرها من فنّانين من المفترض أن ينحازوا إلى معاناة شعوبهم، وقد عبّر بعضهم بصراحة عن موالاتهم للنظام الجائر في سورية، ما يرسم دائرة استفهام كُبرى بشأن جدوى دعوتهم إلى المشاركة في تظاهرة دولية كهذه.
أيّاً كان الأمر، حاولت إدارة المهرجان، وبذلت جهوداً كبيرةً في الإمساك بالعصا من المنتصف حرصاً على الاستمرارية، رغم الظروف القاهرة، ومن الطبيعي والحال هذه أن تُخطئ أحياناً وأن تُصيب أحياناً أخرى، وقد نجحت في إلغاء حفلات "الهشّك بشّك"، وتحرّرت من مقولة "الجمهور عايز كده"، وأعادت إلى المهرجان، من خلال برنامجها، هيبته التي رافقت البدايات.
ختاماً، هي دعوة إلى الأصدقاء من الشعراء المقاطعين، مع كامل المحبّة والاحترام، إلى إعادة النظر في موقفهم انتصاراً وإعلاءً لقيمة الثقافة والفنون الجادّة المُلتزِمة، وتأكيد أهمية الكلمة فعلَ مقاومةٍ وصرخةَ حرّيةٍ في وجه قوى الظلام، التي لا ترغب سوى في إسكاتنا وتهميشنا وإقصائنا. وهنا بالضبط يكمن القهر كلّه.