في ترقّب مناظرة ترامب وهاريس
التقى ترامب وبايدن، في 27 يونيو/ حزيران الماضي، عبر مناظرة تلفزيونية مباشرة، كانت الأولى والأخيرة، بدا أداء بايدن فيها مُخلخلاً ومتعثّراً، وعجز عن الوقوف بصفته رئيساً أمام خصمه الذي بدا أكثر حيوية وحضوراً. عُقدت المناظرة في ولايةٍ توصَف بأنها متأرجحة، بمعنى أنها يمكن أن تصوّت لأيٍّ من المرشّحيْن في انتخابات الرئاسة. وقف الرجلان على منبريْن متجاوريْن، جرى اختيار موقع كل منهما بالقرعة، عبر عُملة معدنية، كما حدّدت القرعة ذاتها من يُدلي ببيانه الختامي أولاً. رافقت المناظرة طقوسٌ أخرى كانت شبيهة بأجواء المنافسات القتالية، وتألّفت المناظرة من ثلاث جولات بفاصليْن إعلانيين، زُوّد فيها كل متناظر بقلم ومفكرة صغيرة وزجاجة ماء، وجرى إبعاد المساعدين والملقّنين ومصفّفي الشعر، ومُنح كل متناظر دقيقتين للإجابة عن السؤال، ودقيقة للمنافس للرد ّعلى تلك الإجابة. وأُديرت المناظرة بالصرامة المطلوبة، ثم خرج المرشّحان بعد نهايتها لحساب النقاط، إذ أظهر استطلاع الرأي الذي جرى بعدها مباشرة تفوّقاً لترامب وتراجعاً ملحوظاً لبايدن الذي واصل تراجعه، حتى تخلّى، بعد أقل من شهر، عن ترشّحه، مفسحاً الطريق أمام نائبته كامالا هاريس.
عادت حملة الديمقراطيين إلى التوازن بعد خروج بايدن ودخول هاريس على الخط، فارتفعت الخطوط الزرقاء التي تمثّل حظوظ هاريس في الفوز، وتأرجحت الخطوط الحمراء التي تعبّر عن الجمهوريين. وتطلع الجمهور إلى مناظرة ثانية بين الديمقراطيين والجمهوريين، ستكون الأولى بين ترامب وهاريس، اللذيْن لم يتبادلا كلمة واحدة وجهاً لوجه، رغم التراشق المرّ الذي يجري عن بعد بكثافة. وافق الطرفان على جولة تُعقد في العاشر من سبتمبر/ أيلول الجاري. ويجري الآن الإعداد لشروط التناظر وكيفيّته، وثبَّتت الأطراف المدة على 90 دقيقة، ويجري الحوار حالياً بشأن ما إذا كان سيتم إغلاق مايكروفون الطرف الثاني خلال حديث الطرف الأول، وتُستغل هذه النقطة للترويج، كلٌ على طريقته. ويتوقّع المراقبون أن تطفو لغة غير مناسبة بين الطرفين، فيما لو جرى الإبقاء على المايكروفونات مفتوحة، نظراً إلى ما يكنّه كل طرفٍ لخصمه، ودرجة العداء الكبيرة التي تظهر في اللغة التي يتحدّث بها كل مرشّح عن الآخر خلال التجمّعات الانتخابية.
بات مرشحو الرئاسة يعوّلون على مثل هذه المناظرات لكسب نقاط أكثر من الناخب الذي يدرك أن حياته اليومية لن تتأثر بعمق بتغيّر شخص الرئيس، فيفضِّل أن يستمتع برؤية المرشّحين يتخاصمان وجهاً لوجه، ومن يظهر صلابة وحضوراً وكاريزما أكثر ستكون الغلبة له في نظر الجمهور. وكانت مناظرة نيكسون وكيندي في انتخابات عام 1960 حاسمة في ترجيح كفّة كينيدي، ليس لقوته، وإنما لأن نيكسون بدا مريضاً وشاحباً ونحيلاً خلال المناظرة، ولم تشفع له خبرته في القضايا الخارجية، فقد نجح كينيدي ذو المظهر الحيوي الشاب. وعزّزت خبرة ريغان موقعه الانتخابي بخبرته ممثلاً يجيد الوقوف أمام الكاميرا بمناظرته أمام كارتر، وأنقذته خفّة ظلّه من السقوط أمام والتر مونديل رغم سنه المتقدّمة وشباب مونديل الذي كان قد فاز في المناظرة الأولى. وفي نهاية الثانية، قال ريغان إنه لن يستغلّ "شباب" مونديل وقلة خبرته (ريغان نفسه) في حملته، فحقّق فوزاً كاسحاً.
تُعقد المناظرة في العاشر من سبتمبر/ أيلول الجاري، ومن المثير متابعتها على الهواء مباشرة، فيمكن أن تكشف مثل هذه المواجهة مزايا الشخصيتين، وربما تُخرج أشياء سيئة منهما، وقد اعتاد الطرفان على توجيه الشتائم علناً. ومن الممكن أن يستخدما الأسلوب نفسه في المناظرة، المخصّصة أساساً لاختبار ثقافة المرشّح وقدرته على المواجهة ومدى معرفته السياسية التي قد تساعد الناخب في تحديد وجهة ورقته الانتخابية، تبعاً لتأثير كل مرشّح عليه. لذلك يحتاج المرشّحان إلى كل ما يملكانه من خبرة وبديهة وقدرة على الردّ، وبذاءة أيضاً.