في تكريم مرزوق بشير
الذائع في مهرجانات الغناء والموسيقى، وفي مواسم ومناسبات لهما لا تتوقف، في غير بلد عربي، أن يعمد القائمون عليها إلى تكريم المغنين (والملحنين أحيانا). ومن النادر جدا أن يلتفتوا إلى كتّاب الأغنيات، وإنْ يحدُث أن يُؤتى على أسمائهم عرَضا، عند إزجاء الشكر المرسَل إليهم من بين كثيرين، في تحايا عابرةٍ (ونافلةٍ؟) أمام الجمهور العام، أو في دردشاتٍ مع الصحافة. والرّاجح أن كتّاب كلمات الأغنيات (وقصائدها) اعتادوا حالَهم هذا، فلا يقع واحدُنا على تبرّم أو استياءٍ يُشهرونه، يحتجّون فيه، مثلا، على استئثار المغنّين والملحنين باحتفاء الإعلام بهم، وبمناسبات التكريم والتقدير ومنافسات الجوائز، فيما لا يلحظ أحدٌ وجوب الانتباه إلى صنيعهم، شعراء وأصحاب الكلمات المغنّاة. ... ولكن منظّمي "ليلة الأغنية القطرية" في نسختها الثانية، ومن أشرفوا على برنامجها البهيج، لم يأخذوا بهذا التقليد (!)، واختاروا أن يكون كاتب الأغاني، مروزق بشير، أحد أربعة مكرّمين، في ختام هذه الاحتفالية التي شارك فيها نحو 25 مغنيا قطريا (ومشاركة خاصةٍ من الفنان التونسي لطفي بوشناق)، في ليلتين على مسرح الميّاسة في مركز قطر الوطني للمؤتمرات. وكان طيّبا أن وزارة الثقافة والرياضة نجحت في تنظيم المناسبة، على الرغم من كورونا، فانعقدت النسخة الثانية بنجاحٍ موصولٍ بنجاح دورة العام الماضي التي كانت سهريةً واحدةً في مسرح قطر الوطني، تحت عنوان "أصل الوفا منّج" المأخوذ من أغنيةٍ للراحل فرج عبد الكريم، فيما جاء شعار احتفالية سهرتي الثلاثاء والأربعاء في الأسبوع الماضي "محتار يا بلادي شهديلج"، المستقى من أغنيةٍ كتبها مرزوق بشير.
صحّ تماما قول مرزوق بشير، عند تكريمِه، إن الكلمة هي أساس الأغنية. وجاء دالّا على رحابة منظوره إلى فن الأغنية قولُه إن تكريمَه لا يذهب إلى كلماته فقط، وإنما إلى كل كتّاب الأغنية القطرية، وإلى كل من جعل من كلماتِه نغما وغناءً ولحنا وعزفا، وإلى من استمع إليها وتقبّلها (ومن لم يتقبلها أيضا)، وأيضا إلى "رفيق الدرب والنغم والمعاناة المرحوم عبد العزيز ناصر، رائد الأغنية القطرية". وفي البال أن مرزوق بشير عرّف نفسه، مرّة، كاتبَ أغنيةٍ وليس شاعرا. وأيا كان الحال، فإن هذا التعريف يخصّ واحدا فقط من مشاغل أستاذنا المتنوّعة، فهو رجل الإعلام المخضرم، والمحاضر الجامعي في الدراما والنقد المسرحي، والفاعل الثقافي، والباحث، والمختصّ بتأهيلٍ أكاديمي (الدكتوراه) من الولايات المتحدة، فضلا عن خبرته الإدارية الواسعة في شؤون الثقافة والإعلام، فهو إذ يتولّى حاليا موقع مدير إدارة البحوث والدراسات الثقافية في وزارة الثقافة والرياضة القطرية، فقد كان سابقا مدير الإعلام في الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (في الرياض)، وترأس رئاسة تحرير صحيفة "Gulf Times"، وعمل مسؤولا في الإذاعة القطرية. وربما يكون الأبرز بين هذا كله أن مرزوق بشير أحد وجوه الفعل الثقافي في بلده، ليس فقط بإشرافه على غير مشروع، وبتولّيه مسؤولياتٍ في لجانٍ عديدةٍ مختصةٍ بالتنشيط الثقافي، ومعنيةٍ بمنافساتٍ على جوائز مقدّرة، وإنما أيضا بمساهماته في النقاش في الشأن الثقافي والإعلامي والتربوي في دولة قطر، وما يعرفه المشهد العام، فيما يتصل بالنشاط المسرحي والإنتاج الدرامي (أمثلة) من تحدّياتٍ وإشكالات، ومن أسئلةٍ متصلةٍ بالفضاء العام في قطر ومحيطها الخليجي وأفقها العربي. وعندما تقرأ للدكتور مرزوق بشير في هذا كله (وغيره) تجده الباحث المجدّ الذي يصل الظاهرة الراهنة بمقدّماتها وماضيها، وتلقاه المثقف المنشغل بأسئلة الهوية واللغة، وبما يشتبك مع الوجدان العام وتطلعات المستقبل في بلده.
ولمّا كان المُقام هنا هو تكريم مرزوق بشير على واحدٍ من مشاغله وعطاءاته (وهمومِه للحق)، وهو إسهامُه في رفد الأغنية القطرية بنصوصه، يحسُن أن يُشار هنا إلى أنه من أوائل الذين كتبوا اللوحات الغنائية المتكاملة، وممن ساهموا، مع غيره، في تظهير معالم هوية الأغنية القطرية، وقد غنّى له علي عبد الستار وفرج عبد الكريم وغيرهما. وعلى ما يذكر من هم أدرى من صاحب هذا التعليق، فإن لقاءه مع صديقه الموسيقار عبد العزيز ناصر، رحمه الله، كان "محطةً مهمةَ في تاريخ الأغنية القطرية".. أطال الله في عمر مرزوق بشير، ومتّعه بالصحة.