في دعوة المسلمين إلى الدخول في الإسلام
يبدو هذا العنوان غريباً، خصوصا إذا كان القصد منه ليس دعوة المسلمين إلى التزام تعاليم من الإسلام، لكن في معنى الدخول فيه والانتماء لرسالته حقيقة. وليست قضيتنا هنا الفاصل العقدي بين مسلم وغير مسلم، لكن في حقيقة تَمثُّل الإسلام رسالياً في مسلم اليوم، وهي قصةٌ قديمةٌ في تاريخ المسلمين المعاصر، وفي تاريخ الأمة القديم، وأين تتمثل هذه الرسالة، وخصوصاً في بعدها الأخلاقي في واقع المسلمين اليوم.
والغريب أنك ستسمع صدى هذا السؤال يتردّد من تيارات عديدة، بل ومن الرأي العام للمسلمين أنفسهم في اختلاف أقوامهم ومذاهبهم وتياراتهم، فالجميع يقول متذمّراً "الله يصلح حال المسلمين"، أو "حال المسلمين مزرٍ"، أو غير ذلك من العبارات. ويصدُر بعض التذمر من تيارات أيديولوجية أو مشيخاتٍ ترى أن المسلمين لا يلتزمون بنموذجها الديني، فالنقد هنا لعدم تطابق سلوك المسلمين مع رؤية هذه التيارات المذهبية أو الحزبية، أو عدم تأييدهم لها.
لكن في المجتمع المسلم العام في كل وطن، تسمع صدى كبيرا لتأثر الناس من سلوك سيئ يعتمد الكذب، أو البهتان أو النصب أو استباحة حق المسلم الآخر، فضلاً عن غير المسلم. وبالتالي، تسود المجتمع ظاهرتان مدمّرتان، السلوك الأخلاقي الانتهازي المعبأ بالكراهية، والروح العنصرية التي يتقاذفها المجتمع داخل كل وطن، أو بين أوطان المسلمين. وهنا نتساءل في إجمال الدعاء العام في المناسبات الدينية، من هم المسلمون الذين ندعو الله لنصرهم، لا شك في أن ذوي المظالم والمحرومين من حقوقهم تحت هذه الشرعية في الدعوات. لكن الواقع على الأرض قد يصل إلى أن فئاتٍ من المسلمين يتواطؤون على زمرة قليلة من المظلومين، تقودهم في ذلك سلطة الفساد المستبد، فيلهج القوم بالدعاء لنصر الظالم الأثيم، على الأبرياء المتعدّدين من المسلمين، فيما لا يقع في ضمير المؤمن على هذا الدعاء، أن قوله آمين أو تكراره الصلوات المقلدة قد يدخل في الاعتداء على حق الله وحق المسلمين.
ضُبطت في الحياة المدنية الغربية التعاملات الإدارية والسلوكية في المجتمع، بلوائح وبمناهج تعليمية تعزّز جانب احترام الإنسان وكرامته الفردية
وماذا عن الخلاف بين دولتين مسلمتين، وتحشيد خطاب الأئمة بينهما من المسلمين لينصره الله؟ فعلى أي أساس يتم الدعاء. خليط من الفوضى تجتاح بلاد المسلمين، وأزمة لها جذور تاريخية، منذ عُقدت المنابر لأئمة الجور في عهد بني أمية، وتتابع بها التطرّف المستبد الذي غيّر بالفعل ثقافة المسلمين. ماذا عن المهجر ورحلة المسلمين فيه؟ لعل هذا القلم قد أفرد مراراً رحلة التاريخ العنصري الغربي، وجذوره الفلسفية ومأسسته السياسية القديمة، مع عالم الجنوب، لكن هذه الرؤية الصحيحة ليست كل القصة، ففي الحياة المدنية الغربية ضُبطت التعاملات الإدارية والسلوكية في المجتمع، بلوائح وبمناهج تعليمية تعزّز جانب احترام الإنسان وكرامته الفردية، وشُرّعت منظومة قوانين لصالح حقوق هذه الكرامة. وبالتالي، خُلقت أرضية مهمة لحمل الناس على التعامل السلوكي المحترم، بغض النظر عن الدوافع، إذ إن الدافع الضميري قد يغيب وينقلب المشهد، كما جرى في ظاهرة صعود اليمين ونموذج اجتياح الكونغرس الأميركي، فضلا عن التعدّيات العنصرية الحاشدة. لكن بالجملة ساهمت هذه الضوابط القانونية ولغة التثقيف التربوي في مناهج التعليم، في هذا التحشيد المعنوي الإيجابي، بخلاف الشرق، إذ يقود النظام الرسمي لغة التصعيد العنصري من الخلف، ويمشي بعد ذلك في جنائز ضحايا العنصرية، ومع دورات الزمن، اكتسب الشارع ثقافة تمييز عنصري خطيرة، يزعم أنها لا تشمل المسلمين، وفي الحقيقة هي تضرب المسلمين قبل غيرهم.
وأطرح هنا خلاصة بعض التجارب في المهجر في المجتمع الكندي المسلم الذي اكتسب جنسيته من الدولة المضيف، ولعل من المهم الإشارة هنا إلى أن جل المواطنين الكنديين، من أصول غربية، يُفضّلون اليوم النزوح عن أي أحياءٍ للمهاجرين، بمن فيهم العرب المسلمون، ولا تمثل أحياء أو مناطق العرب أو الأعاجم المسلمين جاذبية، إلا بقدر المصالح الحياتية لخريطة الأعمال والخدمات، فإذا أنهى المواطن الكندي الغربي رحلة عمله، شدّ رحاله إلى تجمعات أصوله القومية، إن كانت له مقدرة في ذلك.
ما كان يُرصد قديماً في أزمة انتقال أمراض الشرق إلى بلدان المهجر، تطوّر سلبياً، حتى أصبح ظاهرة عامة
حسناً... قد يراه بعضهم حساسية عنصرية، وقد يكون ذلك عند آخرين، غير أن الصورة الشاملة اليوم، لمجتمعات العرب فضلاً عن الأعاجم المسلمين، وهم اليوم يمثلون شريحةً واسعةً ممتدة في مدن كندا، لديهم من صراعات التخندقات الاجتماعية، ما لا يُبقي ولا يذر من إرث الإسلام الأخلاقي. نعم نحن لا نُعمم، لكن عبر التجربة والاتصال وسماع آراء المجتمعات في أنفسها، تلحظ أن ثقافة الكراهية تصدر ابتداءً أحياناً، لاختلاف الجغرافيا القومية، أو لتضادّ المصالح، أو لمجرد الغيرة ، أو الحسد، فهذه المنظومة المفيدة في ضبط سلوك التعامل فُرغّت بسبب حجم مشاعر الصراع الاجتماعي والعنصري بين العرب، وأضحى السطح المعبّر عن المجتمع بعيداً كلياً عن نصوص القرآن الصريحة القطعية الدلالة. وبعض هذا التحزّب أو الإرث العنصري يُشمل بغطاء ديني، يستبيح ذلك الشخص الآخر المختلف عن هذه المجتمعات قومياً أو حتى فكرياً، وهذا لا يخصّ كندا التي أضحى الوجود العربي مكثفاً فيها، بل في بقية المهجر الغربي.
ولا يُعبّر الحال أبداً عن صورة الاحتشاد الجميل المنظّم في صفوف الصلوات في المساجد، فتنافُر القلوب وضيقها هو ما يطفح في حياة مجتمعات العرب المسلمين مع الأسف الشديد. وهذا يعني أن ما كان يُرصد قديماً في أزمة انتقال أمراض الشرق إلى بلدان المهجر، تطوّر سلبياً، حتى أصبح ظاهرة عامة، وبالتالي فهو ينمو مع كثافة حضورهم، وهذا مؤشر خطير. ولذلك، حينما نقول إنّهُ لن ننقذ المسلمين قبل أن يعودوا إلى المنهج الأخلاقي في رسالتهم فهو توصيف دقيق، والفرصة اليوم أن نخلق في أجيالنا ثنائية القيم الأخلاقية في الرسالة الإسلامية، وإيجابية الضوابط القانونية والحماية السلوكية للأسرة الإنسانية، تلك حقيقة الإسلام اليقينية.