في قضايا الإعلام الخليجي وتحدّياته
على جري عادته في منتصف فبراير/ شباط من كل عام، أقام المنبر التقدّمي في البحرين، في نهاية الأسبوع الماضي، منتداه الفكري السنوي في دورته العاشرة، التي ناقشت قضايا الإعلام في دول الخليج العربي من زاويتين: التشريعات المنظّمة لحرية الصحافة والإعلام، والتحدّيات التي تواجهها الصحافة الورقية، ووسائل الإعلام التقليدية عامة، أمام الثورة الرقمية في عالم الاتصال، التي أعادت وتعيد تشكيل خريطة الإعلام ودينامياته التي اعتدناها عقوداً.
أطلق منظّمو المنتدى على هذه الدورة اسم الراحل أحمد الشملان، الشخصية الوطنية البحرينية والخليجية المعروفة، والرئيس الفخري للمنبر التقدّمي، الذي رحل قبل شهور من موعد انعقاد المنتدى، تاركاً فراغاً كبيراً، بما كانت له من مكانة كفاحية رمزية بوصفه واحداً من أبرز قادة الحركة الوطنية، على مدار عقود حياته، التي عانى فيها من السجن سنوات طويلة، والنفي والمنع من السفر والتضييق عليه في عمله، وأخذاً بعين الاعتبار أيضاً عطاءه الصحافي المميّز، فقد كان كاتباً للمقال في عدّة صحف خليجية، كان يتناول فيه القضايا الوطنية والقومية، فضلاً عن أنه شاعر وله مؤلفات في النقد أيضاً، قبل أن تسوء صحته.
قُدّمت في المنتدى خمس أوراق لباحثين من دول خليجية مختلفة: محمد اليحيائي من عُمان، حصّة لوتاه من الإمارات، محمد العنزي من الكويت، غسّان الشهابي ومحمود ربيع من البحرين، وكادت أوراق المنتدى أن تُجمع على أن القوانين والتشريعات المتعلقة بحرية التعبير والنشر في دول المنطقة تتشابه في وضعها قيوداً وضوابط على حرية التعبير، لكن ما يختلف "الخبرات والحساسيات المعرفية لدى المشتغلين بالكتابة والنشر في التعاطي مع تلك القوانين والتشريعات، ويختلف بالتالي، ما يبدو وكأنها مساحات تتسع وتضيق على هذه الحرية بين بلد وآخر من هذه البلدان"، على ما ذهبت إليه ورقة الباحث والإعلامي العُماني محمد اليحيائي. ففي حين تطغى في التغطيات الصحافية والإعلامية في بعض بلدان المنطقة "أخبار العلاقات العامة الرسمية على الفعل الصحافي الذاهب إلى وضع الإصبع على الجروح، والسلبيات، والخروقات، وبطبيعة الحال الإشارة أيضاً إلى الإيجابيات والإنجازات"، كما جاء في ورقة الإعلامي غسّان الشهابي، فإن الحالة الإعلامية في الكويت، مثلاً، "شهدت منذ عام 2006 تحديثاتٍ للقوانين المنظّمة لها مثل قانون المطبوعات والنشر الذي عُدِّل، وهو الأمر الذي سمح بإصدار صحف أخرى تجاوز عددها أكثر بحدود 15 صحيفة أغلق بعض منها لأسباب مالية"، وفق ما قاله الإعلامي محمد العنزي. فيما أشار المحامي محمود ربيع إلى إيجابيات مشروع القانون الجديد للتعديل على قانون الصحافة البحريني المعمول به حالياً وسلبياته. ومن الإيجابيات إسقاط عقوبة الحبس على الصحافيين في تهم تتصل بحرية التعبير، رغم أن مشروع التعديل نفسه نصّ، في مادة أخرى، على "عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها قانون العقوبات أو أي قانون آخر"، ما يوقعنا في تناقض لا يمكن حلّه إلا بفكّ التداخل بين قانوني الصحافة والعقوبات. ومن الإيجابيات أيضاً، التي أشارت إليها ورقة ربيع وضع قواعد قانونية تنظّم عمل الإعلام الإلكتروني وحريته لأول مرة، رغم أن هذه القواعد تضمّنت، هي الأخرى، قيوداً تنال من حرية هذا الإعلام.
الزاوية الثانية من موضوع المنتدى والمتصلة بتراجع الصحافة المقروءة وتحديات الإعلام الرقمي، تناولتها بقدرٍ من الاستفاضة الأكاديمية الإماراتية حصّة لوتاه، وهي قضية لا تخصّ منطقتنا وحدَها، ولا عالمنا العربي وحدَه، بل تواجهها المنظومة الإعلامية في كل الدول، حيث لاحظت الباحثة من واقع خبرتها في التدريس الجامعي لمادة الاتصال أن أقلّ فروع ذلك القسم التحاقاً من الطلبة كان فرع الصحافة المكتوبة، حتى قبل تطوّر الثقافة الرقمية بشكل هائل، التي أدّت إلى سطوة الصورة على الكلمة. وذكرت لوتاه أن أغلب العاملين في مجال الإعلام المرئي في بلداننا العربية يعانون من افتقار إلى ثقافة الصورة، والكيفية التي يستقبلها بها الدماغ البشري، وكيف تتدخّل في تشكيل الوعي فيه، داعية إلى التزوّد "بالمعرفة التي تساعدنا على قراءة مدلولات الصور ورموزها، حتى نكون قادرين على قراءتها وإنتاجها بشكل أفضل، ونستطيع، ليس فقط القراءة المتعمّقة للصور، إنما أيضاً إنتاجها بشكل أفضل".
تفتح أوراق المنتدى ومناقشاته الباب لحوارات معمّقة في هذا الموضوع.