في مساجلة "3 يوليو"
لا غضاضة في تنحية السجال إياه، بشأن واقعة "3 يوليو" في مصر، ثورة أم انقلابا عسكريا، ليس فقط لأن علوم السياسة تخبرك أن مباغتة ضابط عسكري الناس، على شاشة التلفزيون، بإزاحة رئيس البلاد (منتخبا أم غير منتخب بالمناسبة)، لا مسمّى لها سوى أنها انقلابٌ عسكري، ولو سبقتها استمارات ومسيرات، ولو شاهد النظّارة على يمين الضابط ويساره شيخ الأزهر والبابا تواضروس ومحمد البرادعي (وآخرين). لا ضرورة لهذا النزوع الكلاسيكي في المحاججة مع أنصار "3 يوليو"، فثمّة السنوات السبع التي اكتملت، قبل أيام، تجيز مقاربة أجدى، وكذا ما يقوله هؤلاء أنفسهم عن منجزٍ كبيرٍ صار للمصريين بعد أن أوقفوا وجود الإخوان المسلمين في الحكم عند عام واحد. وقد أتاح ما انكتب في صحافاتهم، وما أفاضت فيه تلفزاتهم، وما ساقوه في الفضاء الافتراضي، النظر جيدا في حَجاجِهم (عذرا لثقل المفردة)، ومجادلته.
أمران ظاهران عندهم، لا تكاد تصادف غيرَهما، ينتصرون بهما للفكرة المتوطّنة في أخيلتهم: أن "3 يوليو" أنقذت مصر مما كان الإخوان المسلمون سيأخذونها إليه، فقد عملوا ليس فقط على إقامة حكم ديني، بل وأيضا دعموا منظومات إرهابية، سيما وأن الجماعة الإخوانية نفسها إرهابية. .. وأن الذي تم إنجازه في مصر في السنوات السبع كبير (وصفه أحدهم بالمعجزة)، حيث مشاريع البنية التحتية، وبناء الجسور والطرق وتفريعة قناة السويس والعاصمة الإدارية (قيد الإنشاء). وحسنا من هؤلاء أنهم لا يأتون على نجاحٍ في محاربة الإرهاب، وقد طلب رأس السلطة تفويضا (!) من الشعب بهذا، غير أن هذا الإرهاب، في سيناء وغيرها، زاد.
غريبٌ أن جماعةً إرهابيةً يُباح لها ترشيح واحدٍ منها لرئاسة الجمهورية، والتنافس على مقاعد البرلمان، ويجتمع مع ممثلين منها وزير الدفاع (الرئيس الحالي) في مكتبه. والأغرب أن طبيعتها الإرهابية لم تُعرف إلا بعد فوزها الكبير في البرلمان، وانتخاب مرشّحها رئيسا. وليس للمساجلة، وإنما لتأكيد المؤكّد، لو أن الجماعة العتيدة لم تُحرز ذينك الفوزين، سيما رئاسة الدولة، لكانت السلطة الناشئة تتباهى بوجود الإسلام السياسي المعتدل (بالضبط) في البرلمان وفي العمل السياسي العام، دلالةً على تعدّديةٍ في مصر. أما أن "الإخوان" كانوا سيؤسلمون الدولة ويؤخونونها فذلكما من تعابير قد تدلّ على شطارة من نحتوها وأشاعوها، فيما ليس من البراهين عليها سوى وزير للثقافة إخواني تم التظاهر ضده، من دون أن يُرى خيرُه من شرّه. وفي النهاية، ثمّة برنامج للجماعة خاضت الانتخابات على أساسه، واقترع ناسٌ عليه، وبهذا الاقتراع صار منهم الرئيس، وصار محمد الكتاتني رئيسا للبرلمان، وباقتراع آخر في موسم انتخابي آخر، قد يخرجون من السلطة والحكم، إذا لم ينجزوا للمصريين محسوسا في عيشهم، على ما تفيد أبجديات أي تمرين ديمقراطي، كانت مصر تخوض مثله، في ذلك العام اليتيم، وتخطئ وتصيب.
أما حكاية "البنية التحتية" في السنوات السبع، فتستثير أرطالا من الدهشة، ذلك أن كل الحكام في العالم، ديمقراطيين أو دكتاتوريين، بنوا في بلادهم طرقا ومستشفيات ومدارس وجامعات، ومنهم صدام حسين في العراق وحافظ الأسد في سورية. وفي زمن حسني مبارك الذي أسقطه الشعب المصري بثورة عظيمة انبنت مدارس وجسور واستجدّت طرق. ومن التفاهة أن يتمنّن نظام على شعبه بأمر كهذا. وفي البال أن عبد الفتاح السيسي عند ترشّحه للرئاسة في 2014 لم يطرح برنامجا، بدعوى أن لديه "رؤية" (كان مؤسفا من حسنين هيكل أن يشيع هذا)، ثم كانت الرؤية أن على المصريين أن "يتحمّلوا ويصبروا"، وأن ينتظروا إلى 30 يونيو 2020، ليروا العجب العجاب (بتعبيره). وللحق، وجدوا هذا في أن رئيسا أقسم على الحفاظ على حدود مصر ثم يفرّط بجزيرتين فيها، ويوقّع اتفاقا سيئا مع إثيوبيا يجيز لها استضعافها مصر الذي نرى، ويوقّع اتفاقا آخر مع اليونان يقلل من حقوق مصر المائية والغازية. وفي "الرؤية" نفسها يتفوق عبد الفتاح خليل إبراهيم السيسي على موسى مصطفى موسى في انتخاباتٍ رئاسيةٍ ثانية، ويتم تعديل للدستور لإبقاء الرئيس الراهن رئيسا إلى 2030. وثمّة قفز المديونية الخارجية إلى 124 مليار دولار، والغلاء المضطرد لا يتوقف، وازدياد أعداد الفقراء (33% من السكان)، وبناء سجون جديدة ليموت فيها 800 معتقل، ولتستوعب نحو 60 ألف ناشط وحقوقي وصاحب رأي (بينهم كثيرون من ناس "3 يوليو")، وموت 113 طبيبا بكورونا.. وتخفيض 90% من المصريين أكلهم اللحوم، وتقليل 36% كميات طعامهم عموما، بحسب جهاز الإحصاء المركزي الحكومي. وهذا قليلٌ من فائضٍ كثير أنجزته "3 يوليو" للمصريين.