قانون الطوارئ واختبار الميكروباص
معظمُ الدول؛ المتقدمة والمتخلفة والـ"نصف على نصف" تطبق ما يسمّى "قانون الطوارئ" لكنْ بحذر شديد، فلا تُقدم على إعلانه وإنفاذه إلا بقرارٍ من البرلمان، ويكون ذلك عندما يتعرّض أمنُها القومي لخطر كبير، ولا يُشترط أن يكون الخطرُ سياسياً، أو عسكرياً، بل قد يكون وباء، أو إعصاراً، أو فيضاناً، أو تلوثَ بيئة. أما دولتنا الحبيبة، العجيبة، سورية، فيطبق فيها قانون الطوارئ منذ سنة 1963، سحبة واحدة، من دون توقف... وهذا يدعونا إلى التساؤل: يا ترى، هل يعقل أن أمن سورية كان مهدّداً طوال تلك السنين؟ وما هذه الدولة الـ "اخْرطي" التي يبقى أمنُها مهدّداً على الدوام؟
لا يجوز، في الدول المتقدمة، إعلان حالة الطوارئ، أو تمديدها، أو إعادة فرضها في وقت لاحق، إلا بقرار معلّل من البرلمان، أو مجلس الشعب. وهذا يتطلب أن يكون برلماناً أو مجلسَ شعبٍ حقيقياً. ولكي يكون مجلسُ الشعب حقيقياً، يجب أن يُمنع فيه تعييش رئيس الجمهورية، والهتاف، والتصفيق، وإلقاء الزجل، والدبكة، والزغاريد، منعاً باتاً، تحت طائلة رفع الحصانة عن العضو المُعَيِّش، أو الزجّال، أو الدَبَّاك، ودَكِّهِ في السجن مدّة يحدّدها قانونٌ يمكن أن نسميه "قانون مكافحة الهيصة والزنبريطة في مجلس الشعب". وهذا الأمر لا يمكن تحقيقه بوجود أعضاء مجلس الشعب الحاليين، إذ من غير المعقول أن نطالبهم بإصدار قانونٍ يُعاقبون به أنفسهم... وهنا سنضطر لإعادة النظر في آلية انتقاء أعضاء المجلس، ويكون ذلك بأن تُرفع يد حزب البعث عن الدولة والمجتمع، وتُغلق مكاتب الحزب، وتُحَوَّل إلى مدارس لتعليم الفلسفة، والعلوم المعاصرة، والموسيقى والفنون، وحقوق الإنسان، وحقوق الحيوان. ويمنع فيها تعليم مادتي التربية العسكرية، والتربية القومية، منعاً باتاً، وتُسحب السيارات من أعضاء فروع الحزب، والقيادة القُطرية، وتوضع تحت تصرّف وزارة النقل التي، بدورها، تخصّصها للنقل العام (سرافيس)، يركب فيها المواطنون المقهورون، ويرسلون أبصارهم من النوافذ، ويتفرّجون على شوارع بلادهم التي أنهكها القصف، والوسخ، والتخلف، ومرور الدوريات المؤللة. وأما بخصوص ملايين المواطنين السوريين المنتسبين لحزب البعث، خوفاً من البطش أو طمعاً بالمناصب، فالعدل يقضي أن يُمنحوا فرصة سنة، على الأقل، للبقاء في الحزب أو الانسحاب منه، بعد إفهامهم أن حزب البعث أصبح شبيهاً بـ "عِرْق العظرُط الذي لا يحل ولا يربط"، وأن الانسحاب منه لا يسبب أيّ تداعيات أمنية، وأن البعثي، من الآن فصاعداً، لا يحق له أن يكون مديراً لدائرة، أو مؤسّسة، أو شركة إنتاجية، إلا إذا كانت شهاداته، وكفاءاته العلمية، تؤهله لذلك.
الأمر نفسه ينسحب على الأشخاص الذين يأتون إلى مجلس الشعب من أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية. يجب أن تُلغى عضوية هؤلاء في المجلس، وتُسحب منهم الوظائف والسيارات، ولا علاقة لهذا الأمر بالأشخاص، بل بالأحزاب نفسها، فالمنطق السليم يقتضي أن تخضع هذه الأحزاب لاختبارٍ أولي بسيط، يمكن أن نسميه "اختبار الميكروباص"، فيُطلب من الأمين العام لكل حزبٍ جبهوي أن يزوّد اللجنة الفاحصة بأسماء أعضاء حزبه الموجودين في مختلف المحافظات السورية، بعد شطب أسماء الموتى والمنسحبين، ويجري استدعاؤهم إلى العاصمة، ويطلب منهم الركوب في ميكروباص يتسع لـ 14 راكباً، فإن امتلأ بهم يبقى الحزب قائماً، وإلا فليُحَلّ. ولكي ينأى أعضاءُ اللجنة الفاحصة بأنفسهم عن ممارسة قمع الحريات، يجدر بهم أن يسمحوا لكل حزبين يقل عدد أعضاء الواحد منهما عن 14 راكباً أن يندمجا، مثلما اندمج حزب أكرم الحوراني مع حزب ميشيل عفلق، أيام زمان. ولا بد من وقف العمل بميثاق الجبهة الوطنية التقدمية، ولكن هذا لا يعني مصادرة حق العضو الجبهوي في الترشّح لمجلس الشعب، فليرشّح نفسه، ولكن المطلوب منه ألا يعتمد على قائمة الجبهة، بل على شعبيته الخاصة، وجماهيرية حزبه... وهكذا.