قمة النقب.. طعنة لمن؟
يبدو من الشكل الظاهري لاجتماع النقب الموسّع (وزراء خارجية الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر والمغرب والإمارات والبحرين) بأنه موجّه ضد إيران، وأوحى الوزير الإسرائيلي، يائير لبيد، بذلك في المؤتمر الصحافي بعد الاجتماع، وثمّة مشاعر غير ودّية تجاه إيران لدى كلّ دولة حضر وزير خارجيتها الاجتماع، ولديها من الأسباب ما يدفعها إلى أن تقوم بعمل سياسي ما ضد إيران. ويوحي مكان انعقاد الاجتماع بأنّ هذا التجمع يهدف إلى الظهور بشكل موحدٍّ ومنظم وعلني ضدّها، فإسرائيل تنال الحصة الكبرى من التهديد الإيراني، وخطاب إيران الرسمي واضحٌ في تشدّده تجاهها. وقد شهد الطرفان مواجهات غير مباشرة في سورية وكردستان العراق أخيراً. وترغب إسرائيل في إظهار هذا الإجماع بهذا الثوب، لتوحي بامتلاكها ورقة جديدة تضاف إلى ما في يدها ضد إيران. وهي إلى جانب ذلك تُضمر مجموعة كبيرة من الرسائل، وتضعها بشكل عرضي أو ظاهر، بعضُها موجّه إلى الدول المشاركة نفسها، وبعضها إلى دول الجوار، وكثير منها نحو الفلسطينيين، فقد اختارت إسرائيل أن تعقد اجتماعها في النقب، وهو جغرافيا تنتمي إلى الحصة اليهودية التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرار التقسيم. وكيبوتس سديه بوكير، مكان الاجتماع، قرية تعاونية أنشأتها وحدة عسكرية قاتلت في حرب 1948. وإذا كان الإعلان شبه الرسمي هو إيران فإن ذاك الذي لم يظهر في الخلفية هو الفلسطينيون.
تبدو الإمارات معنية بالشأن الإيراني، ولديها مخاوف خاصة، وبالتحديد الدعم الإيراني للحوثيين في اليمن، وهؤلاء يشنّون حرباً بواسطة الطائرات المسيّرة على منشآت الإمارات الحيوية. وعلى الرغم من بعد المسافة، تنجح أحياناً في إشعال بعض الحرائق، ولكن الإمارات تُبدي خططاً بديلة لمواجهة إيران إلى جانب الشراكة مع إسرائيل، فقد ظهر وزير خارجية الإمارات في دمشق، وظهر بشار الأسد في أبوظبي ودبي، وهو صاحب العلاقات القوية والمؤثرة مع إيران.
تقول البحرين إنها تحضر إلى النقب لمناقشة مسألة الاستثمار في الطاقة النظيفة. أما المغرب، وهو دولة بعيدة عن حلبة الصراع، فحضوره، كما قال مندوبه، للتحدّث في مسائل الأمن البحري. والمغرب كما مصر يطل على البحر الأبيض المتوسط. ولدى مصر هموم مشتركة مع كل دولة، وحضورها مزيج من كل تلك الهموم، ويبقى حضور وزير الخارجية الأميركي للمحافظة على تقاليد وجود مثل هذا المسؤول، إذا ما أريد لأي اجتماعٍ في الشرق الأوسط أن يُؤخذ على محمل الجد، ويمكن أن يُتوقّع منه بعض النتائج. ولكن إذا أخذنا كل تلك القضايا المتشعبة ووضعناها على طاولة اجتماع واحدة، فقد تكون بحاجة إلى وقت أكبر بكثير من ذلك الذي استهلكه وزراء الخارجية بوجودهم في سديه بوكير.
لم توجّه الدعوة إلى القيادة الفلسطينية في رام الله، وغاب الأردن، ذو الشجون المتداخلة بالهم الفلسطيني، فبقي مؤتمر النقب بعنوانه العريض يستهدف إيران، وتفاصيله مشوّشة ومربكة لكثرتها، وكأن عقد مؤتمر بهذه التشكيلة وهذه الصياغة هدف بذاته، من دون أن يخرج عنه أي قرار أو توصية، وقد خرج بمؤتمر صحافي فقط. ولكن يمكن أن يعدّ هذا المؤتمر علامة فارقة بارزة على طريق القضية الأبرز في هذا الإقليم، منذ أكثر من سبعين عاماً، وهي قضية فلسطين، فقد تصبح المؤتمرات التي تعقد بمشاركة وفود عربية مع إسرائيل منذ هذا المؤتمر لا تضم عنواناً فلسطينياً بأي شكل! وهو ما يعبر عن تغيّر في بنية السياسة العربية، ويجسّد أكثر أهداف الحكومة الإسرائيلية الحالية التي قامت أساساً على تجاهل القضية الفلسطينية، رغم أن جهوداً من حزب عربي في الداخل ساهمت بشكل فعّال في ولادة هذه الحكومة، بينما دول عربية مؤثرة شاركت في مؤتمر "استعراضي" داخل إسرائيل، ولم تناقش فيه قضية فلسطين. ويبدو أن الشارع الفلسطيني قد شعر بذلك وأحس بطعنة ما، فلم يجد إلّا أن يردّ الطعنة بعدة طعنات عشوائية في الشوارع الإسرائيلية.