كرة القدم لغة السياسة المغربية
استمتعنا جميعا بالنتائج المُبهرة التي حققها المنتخب المغربي في كأس العالم قطر 2022، واستشعر جميع المغاربة وطنيّتهم من منافذ رياضية، عبر منتخب شكّل عصارة الطموح والجدّية عند أي مغربي مكافح من أجل العيش وحالم بغد أفضل، ولو على ساحة ملاعب كرة القدم، ومدة لا تتجاوز الساعتين.
ولذا، تعني المراهنة السياسية على كرة القدم أن المغرب واع جدا بقيمة الرياضة سياسيا، ودورها في التعريف ببلدٍ يتقدّم رياضيوه على السياسيين والسياسة في كل شيء. هذا الوعي جسّده خطاب العرش أخيرا الذي هنأ لاعبي المنتخب على جهودهم ودورهم في تمثيل وطنهم. ومن الناحية البراغماتية الصرفة، من حقّ المغاربة استثمار هذا النجاح، وتوظيف صورة المنتخب التي ما زالت ورقة رابحة في محافل دولية عديدة، وهو ما ترجمه أيضا الملك محمد السادس بالحديث عن الحماسة المغربية الشديدة تجاه ملفّ التأهيل الثلاثي لكأس العالم الذي سيجمع المغرب مع كل من إسبانيا والبرتغال. وهو ملفّ ترشيحي مغر، يجمع بين بلدان يتداخل تاريخهما الثقافي والسياسي والحضاري عموما. كما أن هذه الشراكة تعدّ، من ناحية أخرى، جوابا على مشكلات الماضي الدفينة، لأنها بمثابة إعادة الثقة بينها، والتفكير بلغة المصالح الجماعية، ولغة المصالح المتوسطية، ولغة الحضارة الأندلسية التي تجمع هذه البلدان.
قوة الملف نابعةٌ أيضا من عوامل عدة، منها القرب الجغرافي، والتشكيلة اللغوية المتعددة، والتي ستقدّم لونا سياحيا جميلا، حيث سيستمع الزوّار بمشاهد البراعة الهندسية المعمارية عند البرتغاليين، وجماليات الفلامينكو الإسباني والعمارة الأندلسية الأنيقة، وجمال عاصمة المرابطين مرّاكش الحمراء، وعراقة الرباط الموحّدية ... إلخ، كما سيشكّل الملف أيضا دعما لنوع من الترفع النسبي عن الأنفة الأوروبية، ضدّا في كل ما هو عربي أو إسلامي أو إفريقي. وهي أيضا تجربة ستكون ناجحة إذا ما سمح لها بالتجسّد على أرض الواقع، ستتعلم فيها الشعوب قبل السياسيين لغة الحوار والتطلّع المشترك إلى مستقبل حوض المتوسطي. سنتعلّم فيها كيف نشترك في كسب المنافع بعيدا عن الإرث الاستعماري القريب.
توظيف صورة المنتخب المغربي ما زالت ورقة رابحة في محافل دولية عديدة
ولعل نتائج المنتخب المغربي للنساء في بطولة كأس العالم المقامة حاليا في أستراليا ونيوزيلندا، وتأهلهن المبهر لثمن النهائي بسيناريو قريب من منتخب الذكور، تبيّن صوابية توجه الدولة نحو الاستفادة من رصيد منجزات الكرة المغربية، ورصيد الإرادة الشعبية الطامحة إلى الأحسن على مستويات عدة، قد يكون مدخلها الظاهر سياحيا، لكن منتهاها دائما سياسي تنموي، إما أن يقود نحو عيش أفضل، أو يكون علامة على فقدان الأمل المطلق في التغيير.
وانسجاما مع هذا الطموح المغربي المشروع، لا يمكن لعين المتابع أن تخطئ الحملة الخاصة بالبنية التحتية على مستوى البلد كله، خصوصا في المدن الكبرى، الواضح أنها تسير في اتجاه جعلها مؤهّلة لاستضافة رهان رياضي كبير كهذا. ويبين أيضا أن البلد بات، أخيرا، يراهن على خيار التحديث، بعيدا عن كل أفق سياسي قريب، أي الاكتفاء ببنياتٍ تحتيةٍ معاصرة، وتقارب أكثر مع تحوّلات العالم التقنية والتصنيعية، وفي مجال الطاقات المتجددة، من دون مسٍّ بعمق البنية السياسية، أو إحداث أي تغيير بخصوصها.
على الأقل، هذا ما يلوح في الأفق السياسي المغربي. وهو للأسف الوجه القاتم في الصورة، أي المراهنة على ورقة تحديث البنيات التحتية والاندماج الشكلي في السوق العالمية، بوجهين، غربي يحاول أن يتحدّث لغة المصالح والسوق الحرّة، وإن بمستويات صورية، من دون لغة حقوقية وسياسية موازية، ووجه آخر على الطريقة الصينية العازلة بين التقدّمين، السياسي والتحديثي.
تساوقا مع مناسبة عيد العرش أخيرا في المملكة، عرض تقرير والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، أمام الملك، الوضعية المالية العامة للبلاد، حيث اعترف بصعوبة المرحلة اقتصاديا، وأقر أيضا بأخطاء عديدة مرتكبة في حقّ الأمن الاقتصادي المغربي، وهي "قرصة" سياسية خفيفة تجاه أخطاء الحكومة الحالية. كما أن سياق التقرير كان واضح الصلة بما يقبل عليه المغرب من استضافة الاجتماعات السنوية لعام 2023 لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في مراكش، 9 - 15 أكتوبر/ تشرين الأول، في رسالة تؤكد استقرار الاقتصاد المغربي وقدرته على كسب ثقة الشركاء الدوليين. إلى جانب ذلك، أكّد مجدّدا، وكغيره من التقارير الرسمية الأخرى، أن التعليم في المغرب ليس بخير، وأن حاله يستفحل، من دون أن يلوح حلّ في الأفق، كمعضلة ستجني على مستقبل رأس المال غير المادّي للبلاد على جميع المستويات، وهو إجابة شافية على خيار المراهنة على التحديث، من دون حداثة سياسية وأفق حقوقي واضح.