كورونا الأسد والحل الإلهي
بشار الأسد وزوجته أسماء مصابان بفيروس كورونا، وقرّرا أن يحجرا نفسيهما أسبوعين. ووسط تضارب ردود الفعل، جاء بيان من الرئاسة الروسية يأمل "أن لا يشتد مرض كورونا على الرئيس الأسد وزوجته"، بينما غلب على الأوساط السورية، في الموقع الآخر، التشكيك في النبأ والتعامل معه باستخفاف شديد، وجرى النظر إلى قضية المرض على أنها لعبة سياسية تهدف إلى تقطيع الوقت، قبل أن يتقدّم الأسد للانتخابات الرئاسية المزمع أن تجري في يونيو/ حزيران المقبل. ويرى أصحاب هذا الرأي أن النقمة تصاعدت خلال الأسابيع الأخيرة بقوة، بسبب تدهور الوضع المعيشي في مناطق سيطرة النظام، والذي بلغ مستوياتٍ عاليةً في الرداءة، حتى أن الأسد ذاته طلب أن تتوقف القنوات التلفزية عن بث برامج الطبخ "لكي لا تزعج السوريين بصور طعام بعيدة المنال". واستدعى رد الفعل هذا من صحيفة نيويورك تايمز وصف الرئيس السوري بالقائد "المنفصل عن شعبه"، قائلة إنه ظل متمسكا "بالتفاهات التي يتميز بها خطابه".
استطاع بشار الأسد أن يصمد عشر سنوات في وجه ثورة شعبية عارمة، كادت أن تطيح حكمه في عام 2015، لكن روسيا تدخلت عسكريا لإنقاذه. وقبل ذلك، لم يكن في وسعه مواجهة الحراك السلمي الذي بدأ في منتصف مارس/ آذار 2011 من دمشق، لو لم تقف إيران بكل ثقلها إلى جانبه، وكاد أن يُسقط حكمه أكثر من مرّة، إلا أن طهران كانت في نجدته، وهي التي وضعت له خريطة الطريق منذ الأيام الأولى للثورة، بما في ذلك خيار اللجوء إلى القوة لمواجهة المظاهرات السلمية، وهناك أكثر من شهادةٍ تؤكد أن إيران جرّبت في سورية الأساليب التي اعتمدتها في قمع الثورة الخضراء عام 2009. ومن ثم تولى الحرس الثوري، بإشراف قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، مهمات القتال داخل سورية، عن طريق حزب الله ومليشيات عراقية وأفغانية وباكستانية.
وكلما تقدم الزمن، يبدو بقاء الأسد ضرورة لكل من روسيا وإيران. والمسألة تتعلق بالاستثمار الكبير الذي وظّفه البلدان من أجل استمراره في الحكم، وليست هناك مؤشّرات إلى أنهما سوف يتخليان عن النظام قبل استرداد ما صرفاه، وأكد ذلك الأسبوع الماضي أمين عام مجمع تشخيص النظام في إيران، محسن رضائي، الذي قال، في حديث مع صحيفة فايننشال تايمز "سوف نستعيد كل دولار أنفقناه في سورية والعراق". وهذا ما يفسّر عدم اكتراث موسكو وطهران بغير ما يحفظ لنظام الأسد الاستمرارية، ولا تبدوان معنيتين بتدهور الأوضاع المعيشية للشعب السوري تحت سلطة النظام ولا بالانهيار الاقتصادي، ومن ذلك قيمة الليرة أمام الدولار، والتي تجاوزت أربعة آلاف للدولار الواحد، وبات مرتب الموظف الحكومي قرابة 20 دولارا، وموظف القطاع الخاص نحو 50 دولارا. وأفادت أرقام الأمم المتحدة بأن أكثر من 13 مليون سوري بحاجةٍ إلى مساعدات إنسانية، وأكثر من 12 مليون شخص داخل سورية يكافحون لإيجاد طعامٍ يسدّ رمقهم كل يوم، وفق برنامج الأغذية العالمي، و60% من الأطفال يواجهون الجوع، بحسب منظمة "أنقذوا الأطفال".
من دون شك، هناك من يأمل بنهاية إلهية للأسد، وأن يقبض كورونا روحه، عسى أن يفتح ذلك بابا لنهاية المأساة السورية بعد عشر سنوات، تبدو فيها الحصيلة فادحةً على جميع السوريين، باستثناء فئة محدودة من الذين يعيشون على الحرب والخراب. وربما يفتح رحيل الأسد طريق الحل، ولكن الفاتورة كبيرة، وتؤكد كل التقديرات على أن عودة سورية إلى وضع الدولة المستقلة ليس في المدى المنظور، فهي مثقلة بالديون الروسية والإيرانية، ومقسّمة إلى مناطق نفوذ تسيطر عليها جيوش أجنبية.