كورونا تغزو حِمص
يثير اسمُ "محافظ حمص" الحسَّ التهكمي لدى معظم السوريين، فالحقارات والبلاوي الزرقاء الموجودة في نظام الأسد، وثار الشعب لأجلها سنة 2011، جابهها النظام بإقالة محافظ حمص المدعو إياد غزال؛ باعتباره الفاسدَ الوحيد في هذا القطر الصامد! مع أن الأفضل، نظرياً، إقالة محافظ درعا ورئيس فرع الأمن السياسي في درعا عاطف نجيب، اللذيْن أجّجا، بحقاراتهما، غضبَ الدرعاويين، وجعلا رقعة الثورة تمتد إلى مختلف أنحاء البلاد.. ولكن عاطف نجيب ابن خالة بشار الأسد، وهذا ما أوقعه في مأزقٍ لخصه الناسُ بقولهم إنه كان يخشى أن تعاتب خالتُه والدتَه، وتقول لها: يعني المنظوم إبنك ما لقى في كل هالدولة حدا يقيله غير إبني؟ واستمر الناس ينسجون على هذا المنوال، فكلما تعرّضت سورية لمصيبة، أو نكبة، أو كارثة، يمصمصون شفاههم أسفاً ويقولون: بكرة بتنكسر الجَرّة برأس محافظ حمص! (مع أنهم لا يعرفون اسم أي من المحافظين الذين تعاقبوا على حمص قبل إياد غزال وبعده).
ليس من عادة السوريين أن يحفظوا أسماء الوزراء، والمحافظين، وأعضاء القيادة القُطرية للحزب، وأعضاء مجلس الشعب، فالقناعة الراسخة لديهم أن هؤلاء أناس عديمو النفع، حِفْظُ أسمائهم يُثقل الذاكرة، ويُفسد العقل، ولكنهم، من شدة قهرهم، وغُلبهم، كانوا يتَّبعون ما يمكن أن نصطلح على تسميته "التقية الجماعية".. ففي ملاعب كرة القدم، مثلاً، حينما يتخذ حَكَمُ المباراة قراراً يَراه أنصارُ أحد الفريقين مُجحفاً بحقهم، يبدأون بإنشاد شتيمة جماعية منغمة (يلعن أختك يا حَكَم)، وعندما يتقدّم عناصر الأمن وحفظ النظام من المدرّج الذي تنطلق منه الأنشودة، استعداداً لمباشرة القمع، سرعان ما تنطلق حناجرهم بأنشودة: بالروح بالدم نفديك يا بشار.. فيرتدّ عناصر الأمن على أعقابهم خاسئين، ويصبح بإمكان الجماهير العودة إلى الأنشودة التي تستهدف شقيقة الحَكَم المسكينة.
في سنة 2005، كنا، الأديب الراحل تاج الدين الموسى وأنا، ماشيين في أحد شوارع مدينة إدلب، ورنّ هاتف تاج. كان على الخط أحد أقاربه، يحدّثه من معرّة النعمان، ويُسمعه صوت الجماهير التي اعتصمت على طريق حلب/ دمشق. كان محافظ إدلب قد صادق على قرار أصدرته مديرية النقل، إحداث منصف للطريق من شأنه إعاقة حركة انتقال المواطنين بين جانبي الطريق، فغضب الأهالي، وقطعوا الطريق بأجسادهم .. ولأن الاعتصامات والتظاهرات ممنوعة في سورية، فقد لقم عناصر الأمن بواريدهم ووجهوها إلى صدور المعتصمين، فانطلقوا غريزياً يهتفون لبشار الأسد ووالده المقبور، دواليك حتى وصلوا إلى هتاف: يا أبو حافظ غَيِّرْ لنا المحافظ!
أنا، محسوبكم، وبمحض المصادفة، عثرت على اسم محافظ حمص الحالي، وهو اسم يوحي وكأنه مترجَم عن الإنكليزية: بسام بارسيك (Parsiek).. وكان ذلك بمناسبة تصريح نقلته عنه الوكالات ينص أنه ينوي فرض حظر جزئي على أهالي حمص في حال ازدياد أعداد المصابين بكورونا .. الخبر عادي بالطبع، ولكنه يوارب الذاكرة على نكتتين رويتا عن أهل حمص، الأولى جرت أحداثها في أيام العثمانيين، وتنصّ على أن المنادي كان يذيع فرماناً يبلغ فيه أهل حمص أن الخروج إلى الشوارع والأزقة ممنوع، فهناك ما يسمى يَسَقْ Yasak، أي حظر تجوّل، ولأن الحمامصة مولعون بالفرجة، فقد خرجوا إلى الشوارع عن بكرة أبيهم، وعندما سألهم جنود السلطان: لماذا خرجتم؟ قالوا: نريد أن نتفرج على اليَسَقْ.
النكتة الثانية أشدّ إيلاماً، أن نظام حافظ الأسد فرض منع التجول على حمص يوم أحداث الدستور 1972.. فكل من يُشَاهَدُ في الشوارع بعد الثامنة مساء يحق للجنود قتله، وقد حدث أن قتل أحد الجنود مواطناً قبل ربع ساعة من الثامنة. سأله رئيسه المباشر: لماذا قتلته؟ فقال له: سيدي هذا الرجل أنا أعرفه، بيته بعيد، يحتاج لساعة حتى يصل، فإذا لم نقتله نحن سيقتله الحاجز الذي بعدنا.