"كيرلي" أحمد دومة

22 اغسطس 2023

أحمد دومة بعد خروجه من السجن (حسابه في تويتر)

+ الخط -

لا منظومة ناجحة بلا نقد. هذه قاعدة، ربما، لا استثناءات لها، وهي أحد أهم أسباب نزول الملايين في ثورات الربيع العربي، لإزاحة أنظمة فوق المساءلة، عصيّة على الإصلاح من الداخل، ترى في أي محاولة إصلاحية نيلا من الهيبة، وتهديدا للوجود، ومؤامرة تستهدف نشر الفوضى وزعزعة الأمن، من هنا فشلت، ومن هنا سقطت (وستسقط)، إذ إن استمرار "سلطة" تجمع بين الاستبداد وكل هذا القدر من "الحماقة" مسألة وقت.
يدفعنا ذلك، يوميا، إلى نقد الأنظمة الاستبدادية ما استطعنا، يكتسب الفعل شرعيته من الحاجة الملحة إليه، بوصفه محاولة للإنقاذ، كما يكتسب وجاهته و"نبله" كلما زاد قمع الأنظمة، وتنكيلها، بنقادها، إلا أن أخطر ما يواجه نقّاد الأنظمة العربية، على تنوّعاتهم، هو تغييب "النقد" المتعمّد، لخطابهم وممارساتهم، وتكريس صورة ذهنية أن نقد المعارضين هو بالضرورة خطاب السلطة أو في خدمتها، ولو جاء النقد من داخل صفوف المعارضة، واستهدف تطويرها. هنا تتحول خطابات المقاومة إلى "سلطة" أخرى، تفتقد إمكانات توقيف خصومها، وقتلهم أو اعتقالهم أو نفيهم، لكنها تجد منافذ أخرى لتصريف سلطويتها.
أحد أبرز الانتقادات التي أنتجها خطاب المعارضة المصرية بعد 2013 أن أهم أسباب فشل تجربة يناير 2011 أن ثوارها ونشطاءها لم يكونوا مسيّسين بالقدر الكافي، حازت هذه "المراجعة" قبولا، تحت إكراه الواقع، الذي لم يسمح، بأقل من ذلك، نقدا وحسابا، كما حازت محاولات إنكارها المحدودة ما تستحقّه من ضربات، إلا أنها، مع الأسف، لم تتحوّل من فكرة مقبولة، نظريا، إلى ممارسةٍ عملية، بل إن محاولات التقدم إلى مربّع "التسييس" والتعامل وفق حسابات الواقع والمصلحة لا تزال في مرمى نيران المزايدات القاتلة، والمدهش: بحجّة النقد! 
إذا أردنا توصيفا أقرب إلى واقعنا في صفوف المعارضة المصرية، فإن السبب الرئيس في الإخفاقات المستمرّة ليس كوننا غير مسيّسين، بل "غير مختلفين"، ولا شيء يحجزنا عن "التطابق" مع ممارسات السلطة سوى امتلاك القوة، والإشارات أكثر وضوحا من محاولات التغطية عليها بحيل الخطاب. 
لا تخلو صفوف المعارضة من استثناءات (وكذلك مؤسسات السلطة)، لكنها تظل على هامش الفعل وصناعة الفارق، بينما شواغل المتن وممارساته صدى لشواغل السلطة. حاول أن تجد ما هو أكثر قبحاً من التشكيك في حسابات مهنية ومقاومة مثل "ما تصدّقش" و"الموقف المصري" وغيرهما، تدفع عربة يد "صحفية" وسط حقل ألغام أمنية.
حاول أن تجد ما هو أكثر حمقا من التشكيك في استحقاق أحمد دومة للإفراج، بعد عشر سنوات من الاعتقال السياسي (بتهمة ملفقة)، لماذا خرج؟ وما الصفقة؟ ولماذا هو وليس آخرين؟ حتى "شعر رأس" دومة، لم ينج، وتحول بدوره إلى علامة مؤامرة، لماذا ربّاه؟ ولماذا كيرلي؟ وكأن مرارات السجن والتنكيل والاعتداءات اللفظية والبدنية طوال عشر سنوات ليست كافية لتصفية حسابات الخصوم ومراراتهم من السلطة ومعارضيها على حد سواء؟
حاول أن تجد ما هو أكثر قبحاً من "تعيير" أي فعل بناء على "شخص" فاعله، من هو؟ ومن أصدقاؤه؟ وعليه يكون الفعل نفسه جريمة إذا ارتكبه معارض بلا "شلّة"، و"حق مشروع" لـ "أصحابنا"، ما الفارق هنا بين سلطة "المحاسيب" ومقاوميها؟ الأمثلة لا تنتهي، وكذلك الأخطاء (والخطايا) المتراكمة، التي لا تجد ناقدا يشير إليها، خوفا من رخص المزايدات وافتراءات التصنيف، وقسوة الشتم والنبذ والخوض في السير والأعراض.

3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
محمد طلبة رضوان
محمد طلبة رضوان