09 نوفمبر 2024
لا مطر في لندن
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
على غير العادة، لا مطر في لندن منذ أكثر من أسبوعين، وتؤكد دوائر الأرصاد الجوية أن هذا الوضع سوف يستمر حتى نهاية شهر يوليو/ تموز الحالي على الأقل، وذلك لأول مرة منذ أكثر من نصف قرن. وما كاد سكان لندن يتنفسون الصعداء بعد شتاء قاس وطويل، حتى داهمهم الصيف الحار الذي لا يعرفه الناس هنا إلا لماما، وهو يمر عادة كوقتٍ مستقطعٍ، مثل طقس الضيافة الإنكليزي.
لندن التي يتغيّر طقسها عدة مرات في اليوم الواحد باعت كل ما في مخازنها من مكيفات ومراوح. ولشدة الحرارة، تسلح بعض الناس بمراوح يدوية على البطارية، وهم يسيرون في الشارع. أما الملابس الصيفية فحدث ولا حرج، فهي تقترب من ملابس الشواطئ، في مدينةٍ لا تعرف بيوتها المكيفات، ولا ثقافة المسابح الصيفية، كما هو الحال في مدن كبرى أخرى مثل باريس.
معادلة شتاء طويلٍ وقاسٍ يقابله صيف طويل وقاس هي السارية هذه السنة. في الشتاء الماضي، واجه سكان لندن أياما متواصلة، وسط عواصف ثلجية، وكان فبراير/ شباط من أقسى الشهور، واستمر البرد والصقيع حتى أواسط شهر مايو/ أيار، وبذلك عاشت الطبيعة طقسا غير معهود. تأخر الورد، ولم يزهر الشجر في موعده، وحين ظهرت البراعم كان قد فات الأوان، ولم تتمكّن أشجار الكرز من طرح ثمارها في الوقت المناسب.
لا مطر، ولا حديث عن ضحايا، كما هو الحال في بلد معروفٍ بالبنى التحتية المتطورة مثل اليابان، ومع ذلك مات بسبب الفيضانات حوالي 175 شخصا، وبالتالي تبقى الأضرار محدودةً حتى الآن، لكن العالم كله يتحدث عن موجات الحرارة عبر أوروبا، ويعزوها الخبراء إلى تدهور المناخ بسبب عدم احترام البيئة، وتلويث الكوكب بالغازات التي قادت إلى انقلاب حراري، ولا تزال تعد بكوارث كبيرة.
وسط هذا الجو، زار لندن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي كانت أولى خطواته هي الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ قبل حوالي سنة، وضرب بالاتفاق الذي وقعته 195 دولة عام 2015، باستثناء سورية ونيكاراغوا، عرض الحائط، مخليا مسؤولية الولايات المتحدة المادية الأخلاقية، على الرغم من أنها تشكل ثاني ملوّث للكوكب بنسبة 15% من الغازات المسببة للانبعاث الحراري، بعد الصين مباشرة.
جرى استقبال ترامب وسط هذا الجو الخانق بحفاوةٍ رسميةٍ شديدة، وجرت له طقوس بروتوكولية كأنه فاتح، في الوقت الذي أثار عاصفة من الغضب في أوروبا بسبب تصريحاته التي سبقت قمة حلف شمال الأطلسي وموقفه من الحلف. واللافت أن لندن التي تعيش أسوأ أزمة مع موسكو منذ الحرب العالمية الثانية كانت مرحبة بترامب، قبل أن يتوجه للقاء نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، الذي لا يكف عن إثارة المشكلات في كل العالم، ليس في سورية وأوكرانيا فقط.
للطقس علاقة بالمزاج الإنكليزي العام الذي يعاني من اكتئابٍ مزمنٍ بسبب انخفاض نسبة الضوء، على نحو يبعث على الضيق، وهذا شعورٌ يحسّه بقوة القادمون من بلدان أخرى، تنعم بالضوء، مثل البلدان العربية التي تتمتع بفائضٍ من الضوء يذهب هدرا، ولا أحد يستفيد منه في وقتٍ صارت فيه التكنولوجيا قادرةً على تحويل أشعة الشمس إلى طاقةٍ كهربائية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن واحدةً من بين أهم العلماء في هذا المجال هي ابنة حمص، شادية حبال، دكتورة الفيزياء التي درست واشتغلت في جامعة هارفارد ووكالة ناسا.
وما كان ينقص الإنكليز سوى هذا الطقس، حتى يزداد منسوب الكآبة، فقد كانت مشكلات الاقتصاد قد بدأت تفعل فعلها بعد نجاح استفتاء بريكست للخروج من الاتحاد الأوروبي، وتلك قضية أخرى تستحق وقفة خاصة.
لندن التي يتغيّر طقسها عدة مرات في اليوم الواحد باعت كل ما في مخازنها من مكيفات ومراوح. ولشدة الحرارة، تسلح بعض الناس بمراوح يدوية على البطارية، وهم يسيرون في الشارع. أما الملابس الصيفية فحدث ولا حرج، فهي تقترب من ملابس الشواطئ، في مدينةٍ لا تعرف بيوتها المكيفات، ولا ثقافة المسابح الصيفية، كما هو الحال في مدن كبرى أخرى مثل باريس.
معادلة شتاء طويلٍ وقاسٍ يقابله صيف طويل وقاس هي السارية هذه السنة. في الشتاء الماضي، واجه سكان لندن أياما متواصلة، وسط عواصف ثلجية، وكان فبراير/ شباط من أقسى الشهور، واستمر البرد والصقيع حتى أواسط شهر مايو/ أيار، وبذلك عاشت الطبيعة طقسا غير معهود. تأخر الورد، ولم يزهر الشجر في موعده، وحين ظهرت البراعم كان قد فات الأوان، ولم تتمكّن أشجار الكرز من طرح ثمارها في الوقت المناسب.
لا مطر، ولا حديث عن ضحايا، كما هو الحال في بلد معروفٍ بالبنى التحتية المتطورة مثل اليابان، ومع ذلك مات بسبب الفيضانات حوالي 175 شخصا، وبالتالي تبقى الأضرار محدودةً حتى الآن، لكن العالم كله يتحدث عن موجات الحرارة عبر أوروبا، ويعزوها الخبراء إلى تدهور المناخ بسبب عدم احترام البيئة، وتلويث الكوكب بالغازات التي قادت إلى انقلاب حراري، ولا تزال تعد بكوارث كبيرة.
وسط هذا الجو، زار لندن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي كانت أولى خطواته هي الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ قبل حوالي سنة، وضرب بالاتفاق الذي وقعته 195 دولة عام 2015، باستثناء سورية ونيكاراغوا، عرض الحائط، مخليا مسؤولية الولايات المتحدة المادية الأخلاقية، على الرغم من أنها تشكل ثاني ملوّث للكوكب بنسبة 15% من الغازات المسببة للانبعاث الحراري، بعد الصين مباشرة.
جرى استقبال ترامب وسط هذا الجو الخانق بحفاوةٍ رسميةٍ شديدة، وجرت له طقوس بروتوكولية كأنه فاتح، في الوقت الذي أثار عاصفة من الغضب في أوروبا بسبب تصريحاته التي سبقت قمة حلف شمال الأطلسي وموقفه من الحلف. واللافت أن لندن التي تعيش أسوأ أزمة مع موسكو منذ الحرب العالمية الثانية كانت مرحبة بترامب، قبل أن يتوجه للقاء نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، الذي لا يكف عن إثارة المشكلات في كل العالم، ليس في سورية وأوكرانيا فقط.
للطقس علاقة بالمزاج الإنكليزي العام الذي يعاني من اكتئابٍ مزمنٍ بسبب انخفاض نسبة الضوء، على نحو يبعث على الضيق، وهذا شعورٌ يحسّه بقوة القادمون من بلدان أخرى، تنعم بالضوء، مثل البلدان العربية التي تتمتع بفائضٍ من الضوء يذهب هدرا، ولا أحد يستفيد منه في وقتٍ صارت فيه التكنولوجيا قادرةً على تحويل أشعة الشمس إلى طاقةٍ كهربائية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن واحدةً من بين أهم العلماء في هذا المجال هي ابنة حمص، شادية حبال، دكتورة الفيزياء التي درست واشتغلت في جامعة هارفارد ووكالة ناسا.
وما كان ينقص الإنكليز سوى هذا الطقس، حتى يزداد منسوب الكآبة، فقد كانت مشكلات الاقتصاد قد بدأت تفعل فعلها بعد نجاح استفتاء بريكست للخروج من الاتحاد الأوروبي، وتلك قضية أخرى تستحق وقفة خاصة.
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
02 نوفمبر 2024
26 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024